كان أول ما كتبت، في بداية حياتي الأدبية، مقال عنوانه "فدوى طوقان ومشكلة الموت" نشرته لي مجلة الأفق الجديد، في عدد أيلول سنة 1961م، وكانت مجلة أدبية طامحة تصدر في القدس، وبعد ذلك نشرت لي مجلة أفكار الصادرة في عمّان مقالاً بعنوان "الحنين في الشعر العربي الحدي
You are here
قراءة كتاب صخر وحفنة من تراب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
الأزمة سياسية
ليست أزمة الشعر العربي الحديث أزمة وهمية أو مفتعلة، بل أزمة حقيقية هي جزء من الأزمة العامة التي تجتاح الفكر العربي في هذا
الزمن. وليس صحيحاً أن أجناساً أدبية أخرى كالقصة والرواية والمسرحية لا تواجه أزمة مماثلة، فهي أيضاً تعاني من الأزمة العامة
نفسها، إلا أن أزمتها قد تكون أقلّ حدّة من أزمة الشعر لأن هذه الأجناس العربية الأخرى أجناس جديدة نسبياً في الأدب العربي، لا
يعرقل نموّها تاريخٌ طويل وتراثٌ راسخ كتاريخ الشعر العربي وتراثه.
ومن غير المعقول أن يكون الفكر العربي في أزمة ويكون الأدب العربي بجميع أجناسه بخير وعافية، وإلا كان أدباً هامشياً لا يعبّر عن
المجتمع ولا عن أفراده من مبدعين وقرّاء. ولما كنّا قد أردناه أدباً عربياً ملتحماً بالحياة العربية، فقد عرّضناه - لا مناصة - للأزمة
نفسها التي تمرّ بها الحياة العربية ذاتها. وهذه الأزمة في جوهرها أزمة سياسية في رأيي، ولم تجدْ لها بعدُ حلاً يؤدي إلى إزالة التوتر
السائد في العالم العربي بين القديم والجديد، بين التالد والطريف، بين تراث الماضي وحاجات المستقبل. وإذ أقول أزمة سياسية أعني
بذلك السياسة في أعرض معانيها، أي سياسة المجتمع وتوجيهه نحو هدف معيّن ووفق مبادئ معروفة متفق عليها وأساليب مقبولة.
فالواقع أن القائمين على أمور المجتمع العربي يتخبّطون في هذه السياسة وهذا التوجيه، لأن الهدف غير واضح أمامهم ولا المبادئ التي
ينادون بها معروفة متفق عليها، ولا أساليبهم في تطبيقها مقبولة. وإذا كان القائمون على أمور المجتمع العربي يزعمون أن لهم مؤيدين
فيما يقومون به، فإن لهم أيضاً معارضين هم في معظم الأحوال أكثرية القوم، وهم فوق ذلك إما ممنوعون من التعبير عن معارضتهم أو
مضطرون لكبتها طلباً للنجاة من البطش المحتوم. لذلك يعيشون حياة قهر هي أشد الأشياء منافاةً لما يتطلّبه الإبداع الفكري، ومن ثَمَّ