You are here

قراءة كتاب مذكرات عبد العزيز القصاب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرات عبد العزيز القصاب

مذكرات عبد العزيز القصاب

دوّن عبد العزيز القصاب مذكراته كشاهد على الأحداث التي عاصرها بدقة وتجرّد نادرين، حيث تنقل في الوظائف الإدارية من قائمقام في سامرّاء والسماوة والجزيرة ( الصويرة) فالسماوة ثانية ثم الهندية وهيث وعانة والزيبار.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
كانت دجلة في تلك الأيام تعج بالحياة· مشاهد كثيرة علقت في ذهني، منها سباق للقفف بأعلامها البراقة نظمه نادي العلوية، وطائرات مائية تدور وترسو في النهر لتستقر أمام دار قائد القوة الجوية البريطانية على شاطئ (السنك)· ومشاهد احتفالية أخرى تبلغ أوجها أيام الجمعة والسبت والأحد، عشرات الزوارق المحملة بحطب الطرفة والسمك تنساب على سطح الماء الى الجزر والجراديغ(1)في جنوب المدينة على أنغام الكمنجات البغدادية المشبعة بإيقاعات (الدنابك) صور وكأنها لوحة الكرنفال في فينسيا للفنان (كاناليتو) واذكر أيضا مهرجانا نهريا للملاهي والمسارح في الجزر الرملية وسط النهر في سنة 1932 دام ثلاثة أيام·
 
وما إن يأتي المساء حتى يضاء عقد طويل من الأنوار المتلألئة في شارع أبي نؤاس نسمع من (مقاهيه) أنغام أم كلثوم ينقلها لنا النسيم قوية مرة وضعيفة أخرى على سطح المياه المرتجفة· وكانت هذه المغريات تجذبني للعبور الى الصوب الآخر؛ صوب الملاهي والمرح، لكن ذلك كان مرهونا بموافقة والدي، التي كان الحصول عليها أشق علّي من الحصول على تأشيرات السفر· ولم أحظ بهذه الحرية الاّ عند دخولي كلية الطب·
 
كانت لوالدي شخصية صارمة أملت على حياتنا العائلية الالتزام والانتظام، نجتمع سوية على المائدة، ولكل كرسيه الخاص، نتحادث معا بصوت هادئ، ونعوض عن الضحك بابتسامات مؤدبة، إلا أن صرامته لم تحجبنا عن حبه حبا عميقا، ربما كان ذلك راجعا الى الكثير من العلامات الصغيرة التي تفصح عن حبه لنا، فما كانت صرامته المخيفة إلاّ قشرة صلبة تحيط بنفس مرهفة مشبعة بالحب لكل من حوله·
 
وحكايات حبه لأبنائه ورعايته لهم كثيرة، أذكر منها قصة واحدة ذات دلالات عميقة:
 
كنت، وأنا طالب في الصف الخامس الابتدائي، منغمرًا في أولى هواياتي الكثيرة وهي جمع الطوابع البريدية· كنت مغرما بأشكال الطوابع وألوانها، المعبرة عن المواقع والأجناس البشرية المتعددة، وكنت أحلم في مجموعتي ليل نهار· وفي يوم مشؤوم من الأيام كلفني والدي بجلب وثائق مهمة محفوظة في غرفة شتوية في أعلى البيت· وما إن اطلعت على الطوابع الغالية وصور الملك فيصل وغازي عليها حتى انهارت عزيمتي، فانتزعتها جميعا من الوثائق عدا الوثيقة التي طلبها والدي· وفي وقت لاحق استدعاني أبي قائلا إن هناك من يشتري طوابع فما لديك منها؟، وعرضت عليه ما لديّ ببراءة الطفولة وطوابع فيصل وغازي بينها· واختفت الابتسامة من وجه والدي لتحل محلها علامات غضب شديد· وكنت وأنا أشاهده مزمجرا لا أشعر بالآمي، خائفا من أن أفقد والدي بنوبة قلبية· انتهت الزوبعة بصعود والدي الى الشرفة ليرمي بمجموعتي في قاع النهر لتقبر كما تستحق·

Pages