تحتل إيران مكانة مهمة في منطقة الشرق الأوسط، بسبب موقعها الجغرافي الممتد من بحر قزوين شمالاً إلى الخليج الفارسي جنوباً· ولها حدود مباشرة مع سبع دول هي: أرمينيا وأذربيجان وتركمانستان في الشمال، وأفغانستان وباكستان في الشرق، وتركيا والعراق في الغرب· وتشترك مع
You are here
قراءة كتاب إيران بين القومية الفارسية والثورة الاسلامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

إيران بين القومية الفارسية والثورة الاسلامية
الصفحة رقم: 10
المعارضة السياسية لناصر الدين شاه
اشتدت المعارضة لناصر الدين شاه، وتألفت من رجال الدين وبعض المثقفين ثقافة غربية، وهاجمت النظام الإقطاعي القاجاري والفساد المستشري في البلاد وبيع موارد البلاد للأجانب· وفي مجتمع أكثريته الساحقة من الفلاحين الأميين والقبائل الرحل وحرفيي المدن، كانت حركة الإصلاح الإيرانية مكونة من المثقفين والتجار ورجال الدين المتنورين، وكلهم يطالبون باضعاف النفوذ الأجنبي في إيران، وبالإصلاحات الاجتماعية، وإيجاد مراقبة مؤسسية على استبداد البلاط الشاهنشاهي· وكان لكل فئة من المعارضة خصائصها ومصالحها·
كان المثقفون يمثلون الأسر الثرية والنخبة القبلية، والعديد منهم قد درس في الغرب واستوعب الليبرالية الغربية· وكانوا يرون أن التحديث يعني نهاية عجز إيران· واقتصر نفوذهم على طبقتهم الاجتماعية وعلى التجار· أما التجار أو البازار فقد اقتصر اهتمامه على إصلاح النظام القاجاري في الجانب الاقتصادي ولا سيما التجارة المحلية والخارجية وأعمال البنوك· فقد واجه التجار مشكلة الطرق غير المعبدة والاتصالات الضعيفة والأمن المضطرب على الطرق· فقد كانت العصابات المسلحة تهدد التجارة الداخلية على الدوام· كما وجد التجار الإيرانيون صعوبة في منافسة التجار الأجانب لعدم وجود بنوك محلية تقرضهم المال لتوسيع تجارتهم، وتوفر اتصالاتهم بالخارج· ولكن هؤلاء التجار كانوا بحاجة لرجال الدين من أجل الضغط على ناصر الدين شاه لإدخال هذه الإصلاحات، ورجال الدين هم القادرون على تحريك الجماهير الشعبية· وهم، في الحقيقة، فئتان: الأولى قليلة العدد وتشارك المثقفين حماستهم للإصلاح والتعليم الغربي باعتبارهما مفاتيح الثروة والقوة القومية·
كان من أبرز رجال الدين المتنورين جمال الدين الأفغاني (1839-1896) الذي يعتبره الإيرانيون إيرانياً وليس أفغانياً· وقد استدعاه الشاه ناصر الدين إلى إيران سنة 1886، وتولى وزارة الحربية، ولكنه غادر إيران بسبب خلافه مع الشاه· كان جمال الدين يرى أن سبب تخلف المسلمين وتدهور حضارتهم هو ترك حكمة الدين، وأن سبيلهم إلى استرجاع قوتهم وعزتهم هو العودة إلى دينهم النقي، وتحرير الفكر الديني الإسلامي من قيود التقليد وفتح باب الجهاد، والتوفيق بين العلم والإيمان، ورفض تقليد الغرب في مختلف نواحي الحياة دون ضرورة وبلا تمحيص وإمعان، وضرورة اطلاع العلماء المسلمين على التيارات الفكرية الحديثة، وأن الإصلاح الديني هو الطريق إلى التمدن الحقيقي، والدعوة إلى توحيد الفرق الإسلامية ولا سيما السنة والشيعة، والدفاع عن الإسلام والحضارة الإسلامية، إزاه هجوم المفكرين الغربيين عليهما·(16)
وعلى الساحة الإيرانية، كان ملك المتكلمين المعروف بلقب ملك الخطباء مع هؤلاء المجتهدين المتنورين· فهو يقول: مصيركم ومصير أمتكم وأبنائكم يقع تحت لواء العلم وليس غيره وطالب المجتهدون المتنورون بإجراء تغييرات جذرية في الدولة والمجتمع· أما أكثرية رجال الدين فقد ظلت على ولائها للشاه·
ولكن تبني الشاه ناصر الدين للتعليم الغربي والإقبال الواسع عليه غدا تهديداً لرجال الدين ولحوزاتهم الدينية، لأنه أضعف دورهم ونفوذهم في هذا الميدان· وجاءت القطيعة بين الشاه ورجال الدين حينما منح الشركة الامبراطورية البريطانية للتبغ British Imperial Tobacco Company امتياز شراء جميع إنتاج إيران من التبغ مقابل (15) ألف جنيه إسترليني سنوياً· وقد أثار هذا الامتياز غضب جميع الفئات الشعبية، إذ شعر آلاف الفلاحين الذين يزرعون التبغ المرتفع السعر، وآلاف صغار التجار الذين يبيعونه، ومئات آلاف الذين يدخنونه، أن السيطرة على إنتاجه كله قد أعطيت إلى البريطانيين، وأنهم حرموا من هذا الحق الذي كانوا يعتمدون عليه كمصدر لمعيشتهم· ولذا تعاونت جميع فئات المجتمع في معارضة الشاه الذي باع إيران للكفار من خلال منحهم الامتيازات·