النهر والشاعر صنوان هذا يمثل شريان الحياة وهذا يُجمّلها ، وجريان النهر في مساره جزء من طبيعة تكوينه ولكنه حينما يضيق بما فيه يفيض على جانبيه مكتسحا كل شىء كذلك هو الشاعر تظل مساراته أقرب إلى طبيعته وتراكيب لغته ، حتى إذا صادف حبّاً مميّز اً فاض كما يفيض الن
You are here
قراءة كتاب آمال على سما القصيد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
المقدمة
النهر والشاعر صنوان هذا يمثل شريان الحياة وهذا يُجمّلها ، وجريان النهر في مساره جزء من طبيعة تكوينه ولكنه حينما يضيق بما فيه يفيض على جانبيه مكتسحا كل شىء كذلك هو الشاعر تظل مساراته أقرب إلى طبيعته وتراكيب لغته ، حتى إذا صادف حبّاً مميّز اً فاض كما يفيض النهر وتفجّرت طاقاته المستكنّة ناسجة إبداعا رائق الصورة ، عذب العبارة ، يعطيه الحقّ في المكان المميّز بين المبدعين .
وكما تنمو على ضفّة النهر زهرة أو شجرة أو ينتصب إنسان ليواجه قدره ، يصنع الشاعر كونا من ظل وخرير ، ينسج عالما إليه تؤوب النفوس المجهدة لتجد الراحة والأمان ، وتحلّق دون جناح لفضاءات تُحسّها ولا تدركها ، تســــتمتع بها ولاتمتلكها .
وهو لايصدر إلاّ عن إحساس مرهف ولا تنطق الكلمة لديه إلاّ إن خرجت من مستكنّ الأعماق مستمّدة صيرورتها من ذلك الألم الذى ينطق صدقا، ليحمى نفسه ومشــــــــــاعر غيره من الزيف وينقل البشـــارة كما يتســـرّب الهواء النقيّ الى رئة ظمآى .
ويبقى سؤال قديم حديث يتردّد في الآفاق .
هل الشاعر مناطق جغرافيّة يبتدئ فتيّا كلهيب خطّ الاستواء ثم يلحق أطرافه فتور حينما يحطّ ركابه عند مداري الجدى والسرطان ، حتى إذا وصل إلى القطبين كان ذلك إيذانا بانتهائه كمبدع ؟
أم أنه كلّ لا يتجزّأ، ولغز غير قابل للتفتّت والتشرذم ؟ هنا يحضرنى حديث مرّ عليه قرابة ثلث قرن دار بينى وبين الشاعر الراحل أحمد رامي عام 1966 حينما كنت أشارك في مهرجان الشعر العربى بمدينة غزّة . كانت كلّ الأسماء المتألقّة في سماءالإبداع الأدبي متواجدة هناك ، وعلى مدى ثمانية أيام ظلّت حلقات حميمة تنعقد وتتواصل كلّ ليلة حتّى ساعة متأخّرة . في إحداها ضمّتني جلسة مع كلّ من الأديب أمين يوسف غراب ، والشاعر الأديب على أحمد باكثير والشاعر أحمد رامي ومضي الحديث شيّقا ومتنوّعا . كان رامي في حدود السبعين أو أكثر بقليل شاعرا متألّقا وصاحب غزل رقيق فسألته : هل تجد نفسك وأنت تكتب الغزل في مثل هذه السنّ ؟ فأجاب ضاحكا : إن إحساس الشاعر لا علاقة له بسنّه ، وما دام نبع الإلهام متدّفقا فنبرة الشعر لديه تبقى في شباب دائم .
كنت استمع إليه غير مصدّق لأننىَ ولم اتخط الثلاثين في حينها كنت أظنّ أنّ إجابته إنّما هى قفز في فراغ ، واستجلاب للربيع في غير أوانه .
وكرّت السنوات وإذا بي أجد نفسي وقد وقفت على عتبة الستين أدفع إلى المطبعة بدواوين يغلب عليها الغزل، فهل صدق رامى عندما دافع عن حقّه في التعبير دون اعتبار للسنّ أم أننى حينما أقدم هذه الأعمال إنّما أستجلب الربيع في غير أوانه ؟
إنّ تقدير ذلك متروك للقارئ صاحب البصيرة النافذة وحسبى من كلّ ذلك أننّىَ وقد كتبت الغزل في العشرين وأكتبه الآن وأنا في الستينَ لا أفتقد التلقائيّة في التعامل مع الحرف وفي ظنّى أننّى ما نطقت إلاّ صادقا فإذا استطعت أن أرسم بسمة على شفة ، وأن أحقّق المتعة لقلب مجهد وشغاف متلهفّة ، فذلك نجاح يفسح لى المجال لتتسّرب كلماتى كنسمة عطريةّ ترحل عبر السطور كما تحلّق الحمائم في الفضاء حاملة في مناقيرها زادا هو الحلم لأفراخها وسيظلّ السؤال الذى ألقيته على رامي مطروحا ، وتبقى الإجابة مرهونة بعناصر متداخلة تمنع الحسم بشكل قاطع وخير من ذلك كلّه أن يكون الاهتمام بالنصّ ومدى ألقه وصدق تعبيره عن المشاعر الإنسانيّة ، عن اللحظة التى تساوي الكون بكامله ، عن الفرحة التى تشقّ صدر ملهوف مُعلنة أنّ الحياة هى الحبّ وأن لا شىء أسمى وأثمن من هذا النبع الذى لا تعدله كلّ كنوز الدنيا .
بهذه العبارات أقدم لقارئي الكريم هذا الديوان فإن وٌفّقتٌ فذلك ما أتمنّى، وإن كان العمل دون ذلك فحسبي أننّى حاولت ، وأقنع من الغنيمة بالإياب .
راشد