انقضت سنوات عديدة على صدور آخر مؤلف لي، ومنذ ذلك الحين بدأت تراودني وتعاودني الأفكار حول الموضوعات التي يجب أن أكتب بها، وحقيقةً تبين لي كلما ازدادت احتفالات عيد الميلاد الشخصي، وزاد الإنتاج الأدبي كلما نضجت الأفكار وأينعت المساهمات الفكرية السابرة، وتكشفت
You are here
قراءة كتاب الدافعية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
قانون الأثر
لخص Thorndike استنتاجاته بما سماه قانون الأثر، فقد تحدث عن التأثير لأن الأثر يحدد ما الذي سيتعلم الحيوان فعله. فإذا كانت الاستجابة مدعومة بمكافأة أو ما أسماه Thorndike إشباع الحالة فإذن تلك الاستجابة سيتم تقويتها بالتالي سيزداد احتمالية تكرارها.
وإذا اتبعت بعقوبة (حالة إزعاج) ستضعف الاستجابة وتكون أقل احتمالاً للتكرار وهذا ما نص عليه قانون الأثر.
وتعتبر قوة العلاقة أو ضعفها عملية تعلمية، وبالتالي تحدد قوة العلاقة أو ضعفها قوة الدافعية أو ضعفها.
كان لقانون الأثر مضمون أخر مهم، وهو أن عقل الحيوان ليس على هذه الدرجة من التعقيد. لاحظ Thorndike تأثيرات المكافآت والعقوبات على الاستجابات، فاستجرتها استجراراً أوتوماتيكياً، وبالتالي فإن ضعف العلاقة يؤدي إلى إنهاء ظهور السلوك وقوة العلاقة يؤدي إلى تكرار وإدامة السلوك، وهذا أدى إلى الوصول إلى عتبة السلوكيون.
يشكل قانون Thorndike ذو معنى كبير لغاية هذا اليوم، ونحن نسميه في مبدأ التقوية (التعزيز). فإذا ضغط فأر على الرافعة وحصل على قطعة من الطعام فيستمر الفأر في الضغط، ونحن نتكلم عن تقديم التعزيز (الطعام) بعد الضغط على الرافعة. ويعتبر التعزيز بالنسبة للسلوكيين المعاصرين مهم جداً بحيث أنهم يقولون «بأن سلوك البشر يخضع لقانون الأثر وليس لأي شيء آخر».
هل لدى الإنسان فطرة (غرائز)؟
بينما كان بعض الكُتّاب يكتشفون مسألة ذكاء الحيوان حينها كان آخرون يجسرون الفجوة بين الإنسان والحيوان من جانب آخر. كان هناك في الوقت نفسه آخرون يبحثون في مجالات أخرى أمثال عالِم النفس الأمريكي William James (1842-1912).
فعندما نشر James في عام 1890 كتابه «مبادئ علم النفس» كان يقول الكثيرون - كما يقول العديدون الآن - بأن البشر مجردون من الغرائز (الفطرة)، وكان هنالك قول بأننا لسنا بحاجة لها، فالذكاء البشري وقدرته على التعلم تجعله يخرج من منظومة سيطرة الفطرة عليه، بينما كانت أفكار James تؤكد على أن البشر يمتلكون غرائز (فطرية) أكثر من أي جنس آخر. وبالتالي إننا نتصرف غالباً بدون اعتبارات عقلانية.
علاوة على ذلك أكد James بأن الغرائز ليست مقتصرة على الحيوانات فحسب، بل البشر يمتلكون غرائز قوية، خذ على سبيل المثال التعاطف بين الأم وطفلها حيث أشار إلى أنه تعاطف بدائي وليس طقوس ذكية ومأوى ودعم ورعاية تم حصادها في العهد القديم.
فالخطر الذي يحيق بالطفل وبشكل فوري يحفز دماغ الأم، وبالتالي يحفز دماغها وتباشر في الحذر والدفاع عن مولودها.
ناقش James عدد من الغرائز البشرية الأخرى متسلسلاً من البكاء والرضاعة عند حديثي الولادة مروراً بأشياء أخرى مثل العدوانية وغريزة الصيد وحتى أشياء مثل السرية (التكتم) والنظافة والحياء. واستنتج أن «هذه هي الأكثر بروزاً من الميول والتي يشتهر بها البشر تسمى بالفطرية في الجنس البشري، ومن الملاحظ أنه لا يوجد أي ثدييات أخرى ولا حتى القرود تُظهر مثل هذا النظام الواسع في الغرائز».
وهكذا وبينما كان Thorndike وآخرون يطرحون أنه بالإمكان تعديل سلوك الحيوان بالتعلم كان James يؤكد بأن الكثير من سلوك الإنسان لا يتطلب تعليماً.
يبدو أن أفكار James للفطرة معقول للغاية. وبالممارسة العملية أثبتت أنها صعبة التطبيق. وبالتالي ظهر التساؤل هل باستطاعتنا حقيقةً وضع قواعد على الدور المحتمل للتعلم في تطوير العواطف؟ هل العدائية والحياء وما شابه تعتبر فطرية حقاً، أو هل بإمكاننا بيان أنه يتم الحصول عليها في النهاية؟ تلك المشكلة تجعل من الصعوبة بمكان معرفة كم عدد الغرائز الموجودة؟ وضع الباحثون الآخرون قائمة أخرى من غرائز الإنسان أوسع بكثير من تلك التي وضعها James ولم تكن هنالك طريقة جيدة لمعرفة أي من القوائم أفضل من الأخرى؟
والأسوأ من كل هذا هو غموض واعتباطية عنوان الفطرة الذي كان دعوة للدوران حول السببية. قَبلَ بعض الباحثين اللاحقين الدعوة مع النتيجة بأن الفطرة كانت مستخدمة لتفسر كل السلوكيات التي بدت أنها محيرة. وبهذه الطريقة التي علم فيها العلم تم تلخيصها بشكل مرتب كما يلي "إذا بحث الإنسان عن رفيقه بسبب الفطرة الاجتماعية، إذا سار لوحده في فطرة الوحدة، وإذا عبث بإبهامه فهي فطرة العبث بالإبهام. وبالتالي تمس تفسير كل شيء بسهولة الكلمة السحرية (السحر).
ولهذه الأسباب أصبحت كلمة فطرة كلمة غير شائعة لبعض الوقت، ولكنها عادة بقوة في السنوات الحالية. وسيكون لها شأن كبير في مجال الأبحاث النفسية في المستقبل.
تلقت هذه الأفكار مزيداً من الدعم من بعد مضي خمس سنوات من موت James فقام طبيب نفسي وبمساعدة زميله بنشر كتاب حول الهستيريا وكان اسمه سيجموند فرويد (Govern, 2000).