الإمتاع والمؤانسة أبو حيان التوحيدي
You are here
قراءة كتاب الإمتاع والمؤانسة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
أنت للمال إذا أمسكته فإذا أنفقته فالمال لك
قال: ولو كان هذا صحيحاً كان لا ينبغي أن يكتسب المال، لأنه ليس في ترك كسبه أكثر من إخراجه بالإنفاق. هذا لقولهم بحكمته وعقله وتحصيله وصواب الجاهل لا يستحسن كما يستقبح خطأ العاقل؛ نعم، وكانوا إذا ولوا عدلوا، وإذا ملكوا أفضلوا، وإذا أعطوا أجزلوا، وإذا سئلوا أجابوا وإذا جادوا أطابوا، وإذا عالوا صبروا، وإذا نالوا شكروا؛ وإذا أنفقوا واسوا، وإذا امتحنوا تأسوا؛ وكانوا يرجعون إلى نقائب ميمونة، وإلى ضرائب مأمونة؛ وإلى ديانات قوية، وأماناتٍ ثخينة؛ وكان لهم مع الله أسرار طاهرة، وعلانيةٌ مقبولة؛ ومع عباد الله معاملةٌ جميلة، ورحمةٌ واسعة ومعدلةٌ فاشية؛ وكانت تجارتهم في العلم والحكمة، وعادتهم جارية على الضيافة والتكرمة؛ وكانت شيمتهم الصفح والمغفرة وربحهم من هذه الأحوال النجاة والكرامة في الأولى والعاقبة؛ وكانوا إذا تلاقوا تواصوا بالخير، وتناهوا عن الشر؛ وتنافسوا في اتخاذ الصنائع، وادخار البضائع أعني صنائع الشكر، وبضائع الأجر فذهب هذا كله، وتاه أهله؛ وأصبح الدين وقد أخلق لبوسه، وأوحش مأنوسه، واقتلع مغروسه؛ وصار المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، وعاد كل شيء إلى كدره وخاثره، وفاسده وضائره؛ وحصل الأمر على أن يقال: فلانٌ خفيف الروح، وفلان حسن الوجه، وفلان ظريف الجملة، حلو الشمائل، ظاهر الكيس، قوي الدست في الشطرنج، حسن اللعب في النرد، جيدٌ في الاستخراج، مدبر للأموال، بذولٌ للجهد، معروفٌ بالاستقصاء لا يغضى عن دانق، ولا يتغافل عن قيراط؛ إلى غير ذلك مما يأنف العالم من تكثيره، والكاتب من تسطيره.
وهذه كلها كنايات عن الظلم والتجديف، والخساسة والجهل وقلة الدين وحب الفساد، وليس فيها شيءٌ مما قدمنا وصفه عن القوم الذين اجتهدوا أن يكونوا خلفاء الله على عباد الله بالرأفة والرحمة والاصطناع والعدل والمعروف.
وأرجع عن هذه الشكلية الطويلة اللاذعة والبلية العامة الشاملة؛ إلى عين ما رسمت لي ذكره، وكلفتني إعادته؛ عائذاً بالله في صرف الأذى عني وسوق الخير إلي؛ ولائذاً بكرمك الذي رشتن به إلى الساعة، وكفيتني به مؤونة الخدمة لغيرك من هذه الجماعة؛ والأعمال بخواتيمها، والصدور بأعجازها؛ وأنت أولى الناس بالصفح والتجاوز عني إذا عرفت براءتي في كل ما يتعلق بي من ذمامك؛ ويجب علي من الحق في مودتك، والاعتصام بحبلك والانتجاع من عشبك، والارتغاء من لبنك.


