إن تطور الفن من رسم ثابت على كهوف العصر الحجري، إلى الصور المتحركة على الشاشات المرئية والخيالة، وأشرطة العرض "الفيديو". ومن الدراما اليونانية ذات المسرح المستدير، إلى الدراما الإذاعية المسموعة والمرئية .
You are here
قراءة كتاب الموسيقى العربية والأفريقية وأثرهما في موسيقى العالم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ج. الدولة العباسية: 750 – 847م.
وهذا هو العصر الذهبي الذي انتقلت فيه الخلافة من دمشق إلى بغداد، التي كانت من اجمل واكبر مدن العالم في العصور الوسطى.
وتطورت في هذا العصر كلمة (عربي) فلم تعد تعنى الجنسية العربية، بل شملت كل من كان يتكلم اللغة العربية، ومقيم في ارض الدولة العربية، من أي جنسية كانت.
دامت الخلافة قرنا كاملا، تعاقب فيه على الحكم (تسعة خلفاء) كان عصرهم أرقى العهود اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وفنيا، وقفزت الحضارة العربية خطوات هائلة واصبح العرب على شغف شديد بمعرفة العلوم والفنون والآداب،وأوصلوا اللغة العربية إلى أن أصبحت هي لغة العلم والثقافة والفن.
وحيث أن الفنون عامة من دلائل الترف في الحياة، فهي لا تستطيع الازدهار إلا حيث يسود الاستقرار والرخاء ويرتقى الفكر ويتم صقل الحضارة.
والموسيقى موادها الأولية إحساس ومشاعر، وأدواتها الأوتار والحناجر، وسلعته نغم وإيقاع، وهو صناعة، ومشجعيها لا يوجدون إلا في مجتمع متحضر ثقافيا، مزدهر اقتصاديا، يتذوق الفنون، ويحس بالجمال والمحبة للخير والحق والجمال.
في الدولة العباسية (العصر الذهبي) ازداد عدد المقامات والأوزان، وتنوعت الآلات الموسيقية، حتى كان العود قد وصل إلى ثمانية أنواع وهى:
المزهر – الكران – البربط – الموتر – المغنى – الشبوطى – المدرسي والكامل.
وشاع استعمالا ودراسة العزف عليها من عامة الناس لأن الفن والغناء صارت له مكانة جديرة بالاحترام.
في هذا الوقت كانت أوروبا لازالت في عصر الظلمات إذ كانت قوانين بعض بلادها لا تعطى للموسيقيين حق التوريث ومن يقتل موسيقيا لا يلزمه القانون بدفع الدية !!
وفى باريس حتى عام 1292م، لم يدرج الموسيقيون في قائمة دافعي الضرائب، ولم يسمح لهم بالإقامة في غير حي المهرجين واستمر هذا الوضع حتى القرن الثامن عشر !!!.
ومن مآسى هذا العصر أن موسيقارا عظيما مثل (موتسارت) لا يعرف أين دفن حتى الآن لأن الفنان في ذلك الوقت يعامل معاملة الخدم في قصور النبلاء، إذا مات يدفن في مقابر المجهولين!!!.
في هذا الوقت كانت المدنية العربية في قمة ازدهارها، والكتب العربية عن العلوم والآداب والثقافة والفنون العربية ملأت وانتشرت في بلاد فارس والهند في آسيا الوسطى، وظهر في كل البلاد التي دخلتها الحضارة العربية العشرات من العلماء والفلاسفة والفنانين والفلكيين وعلماء الرياضيات والكيميائيين، ورجال الصناعة والتجارة.
وكل هذا جعل من الحضارة العربية منارا ينشر أشعته في أوربا فيحيل ظلماتها إلى تقدم وازدهار.
ومن أعلام وفلاسفة العرب الذين تناولوا في مؤلفاتهم العلوم الموسيقية، وثبتوا أسسها، ووضعوا نظرياتها قبل أن يعرف الغرب شيئا عن ذلك بمئات السنين، نذكر منهم:
1. الفيلسوف العالم اسحق بن يعقوب الكندي:
درس في صباه القران الكريم، وفقه الدين، وعلوم المنطق، ودرس العلوم العقلية، وتبحر في علوم اللغة والأدب والفلسفة، ترجم العلوم اليونانية والسريانية والهندية في دار الحكمة ببغداد.
كان الكندي رائد مدرسة شراح الإغريقية وأستاذها الأول بلا منازع.
له مائتين وأربعون كتابا ورسالة (في 17 علما) ومنها عدد يختص بالفنون الموسيقية.
وفى مؤلفاته عن الموسيقى قسم الديوان الكامل إلى اثنتي عشر درجة تنفصل كل منها عن الأخرى بمسافة ونصف (2/1 1 تون).
وتوصل الغرب بعد عصر الكندي بعدة قرون إلى السلم المعدل وهو لا يختلف كثيرا عن السلم المعدل الذي أتى به الكندي في الأصل.
نظريات الكندي عرفها العرب قديما وانتقلت معهم إلى الأندلس ثم انتشرت في أوروبا بعد ذلك، ومنها نظام التدوين ونسب مواقع عنق النغم بالأصابع بالأشكال البيانية عن الأوتار.
والكندي تعدى بالموسيقى مجال السمع، فهو يخرج من الألحان إلى الألوان، ويشرح طبيعة كل لون، وتأثيره على النفس، ويناظر بينها وبين المقامات.
فالألوان في نظره كالألحان تعبر عن المشاعر النفسية والقوى الحيوية التي توحي بها.
والعطور اسماها الموسيقى الصامتة لأنها تنبه الحواس كالألحان والألوان.
وللكندي كتاب ممتع جدا في فلسفة الفنون الموسيقية، وله دراسات في العلاقة بين الأبراج السماوية وتركيب أجزاء العود، ودراسات في أوتار الآلات الموسيقية وطبائع الكون، وربط أنغام الموسيقى ومقاماتها بالكواكب وأيام الأسبوع.