الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد، فقد شرع لنا رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم سنن الهدى، وخير الهدي هديه، وكان صحابته رضي الله عنهم التطبيق العملي للإسلام وفق التربية النبوية، وكانوا نماذج يقتدى بها ويهتدى بعملها
قراءة كتاب الزهد في الإسلام - قراءة في صفة الصفوة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
السيرة النبوية في صفة الصفوة
ابن الجوزي عالم خبير كانت له مع القلم صحبة، وله بالتأليف دراية وخبرة، وقد تجلت هذه الصفات في كتاب صفة الصفوة. وأول ما يطعالنا فيه سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم)، هذه السيرة التي لم يترك جانبا من جوانبها إلا ذكره، فمن أراد سيرة موجزة وافية فعليه بقراءة ما كتبه ابن الجوزي.
فقد ذكر نسبه (صلى الله عليه وسلم) ووالده ووالدته وحمله وولادته ووفاة أبيه ثم أمه، وكفالة جده له ثم كفالة أبي طالب له، وما كان من أمره مع بحيرا الراهب، ورعيه الغنم، وخروجه إلى الشام في تجارة خديجة رضي الله عنها، وزواجه منها، ثم علامات النبوة قبل أن يوحى إليه، ثم نزول الوحي وأحوال الوحي ورمي الشياطين بالشهب، واعتراف أهل الكتاب بنبوته وبدء الدعوة ثم معراجه ثم عرضه نفسه على الناس لينصروه، ثم ما كان من بيعة الأنصار ثم الهجرة إلى المدينة المنورة، وما كان في الطريق من أحوال، وحديث أم معبد، وما جرى له عند قدومه المدينة، وذكر ابن الجوزي من لهم صلة بالنبي (صلى الله عليه وسلم)من أعمام وعمات وأزواج وسراري وأولاد وموالٍ ذكورا وإناثا، وذكر مراكبه ثم صفته الخَلقية والخُلقية من تواضع وحياء وشفقة ومداراة وحلم وصفح، ومزاح ومداعبة وكرم وجود. وبين فضله على الأنبياء ومثله ومثل الأنبياء وحماية الملائكة له وتعظيم الصحابة له وحبهم إياه. وبين عبادته واجتهاده وتحدث عن فصاحته وأورد أمثلة من كلامه التي صارت أمثالاً تجري على الألسنة. وعقب على هذه الأمثلة بقوله «قلت: ولو ذهبنا نذكر من كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)العجيب الوجيز البليغ لطال، إذ كل كلامه يتضمن حكما. وكذلك لو ذهبنا نستقصي آدابه وأخلاقه وأحواله لجاءت مجلدات، وإنما اقتطفنا من كل فن قطفا وأشرنا إلى جملة برمز لأن مثل كتابنا هذا لا يتسع للبسط».
وقد ذكر بعد ذلك وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)وما كان من أحوال المسلمين بعدها، وندب فاطمة عليها السلام له ومبلغ سنه وغسله عليه الصلاة والسلام وموضع قبره، ثم ختم بذكر الصلاة والسلام عليه وبلوغ سلام أمته له عليه الصلاة والسلام.
لقد أحسن ابن الجوزي تلخيص السيرة النبوية تلخيصا يقدم معالمها جميعا للقارئ من غير أن يفوته معلم منها، ويستطيع من خلال قراءة هذا التلخيص أن يلم بما ينبغي أن يعرفه من السيرة النبوية الشريفة. وهو لم يستطرد بذكر التفاصيل بل قدم المعلومة وقدم القدوة والأسوة التي هي الهدف الأول من كتابه.ويلفت النظر أن أكثر ما أورده من الأخبار النبوية ورد في الصحيحين يتجلي ذلك في بيان ابن الجوزي مصادره، مما يجعلك تطمئن إلى ما يورده من أخبار السيرة النبوية الشريفة.
وكان لابن الجوزي تدخلات مباشرة في مواضع رأى أنها تحتاج إلى بيان، ومنها تعقيبه على معلومة وردت في حديث لحليمة السعدية :
«قال الشيخ وظاهر هذا الحديث يدل أن آمنة حملت غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وقد قال الواقدي: لا يعرف عند أهل العلم أن آمنة وعبد الله ولدا غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم)».
وقال في ذكر علامات النبوة قبل أن يوحى إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام : «قال الشيخ: قد ذكرنا أن أمه آمنة رأت عند ولادته نورا أضاء له المشرق والمغرب، وقد روي عنه(صلى الله عليه وسلم)أنه قال: رأت أمي نورا أضاءت له قصور الشام، وقد ذكرنا شق بطنه في صغره، وحديث ميسرة والراهب، وحديث بحيرا والغمامة التي كانت تظله، والأحاديث في هذا كثيرة إلا أنا نروم الاختصار فلهذا نحذف».