تثار ضجة بين فترة وأخرى حول "قانون الأحوال الشخصية"، ما بين مطالب به ومعارض له. وسبب هذه الضجة سوء الأوضاع في المحاكم الشرعية، من تأخير للقضايا، وعدم إنصاف المتخاصمين إليها وغيره ذلك.
قراءة كتاب لماذا يطالبون بقانون الأحوال الشخصية؟
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

لماذا يطالبون بقانون الأحوال الشخصية؟
وقفات عامة مع المطالبين بقانون للأحوال الشخصية
الوقفة الأولى: من يحق له الاجتهاد والترجيح في مسائل الشرع؟
يلاحظ على الكتابات النسائية في موضوع الأحوال الشخصية وموضوعات المرأة عموماً أن الكاتب أو الكاتبة يقومان بعملية الاجتهاد والترجيح بين الأدلة المختلفة، وهذا مما لا يخفى أنه من أعمال المجتهد في الشرع، والذي وضع له العلماء شروطاً عدة حتى يبلغها.
وعندما التقت لجنة العريضة النسائية بوزير العدل “طالبت مجموعة من النساء بضرورة إشراك الجمعيات الأهلية والمجلس الأعلى للمرأة في اللجنة التي شكلها وزير العدل من أجل النظر في قانون الأسرة بهدف توحيده أو التنسيق بين اللجنة وهذه الجمعيات”(2).
فإذا كان قانون الأحوال الشخصية مستمد من الشريعة الإسلامية فما علاقة الجمعيات الأهلية والنسائية بإعداده؟! هل هذه الجمعيات مختصة بالعلوم الشرعية؟ أو فيها من هو من أهل الاجتهاد فينظر في الأدلة فيأخذ الراجح ويترك المرجوح!. لقد اقترحت محامية في نفس اللقاء المشار إليه قبل قليل “ضرورة الأخذ بأيسر الأقوال الفقهية التي تتناسب مع العصر الحالي”(3). ترى على أي أساس بنت هذه الضرورة؟ قالت: “لأن الدين الإسلامي يصلح لكل زمان ومكان”(4). إنها تريد أن تأخذ الأيسر في نظرها بغض النظر عم موافقته للدليل أو لا. ثم من الذي يحدد أن هذا الحكم يتناسب مع العصر الحالي أو لا يتناسب؟ وما هو المعيار في ذلك؟
وإذا كان هذا المطلب قد قدم في رجب فإنه قد تحقق في شعبان، فقد نشرت جريدة الوسط الخبر التالي: “رشح المجلس الأعلى للمرأة ثلاث نساء ناشطات في العمل الاجتماعي والقانوني للمشاركة في عضوية اللجنة المشكلة لإعداد مشروع قانون أحكام الأسرة بناء على تكليف من عظمة الملك. وكلفت زينات المنصوري (جمعية حقوق الإنسان) ودلال الزايد (جمعية المحامين البحرينية) وإلهام حسن (لجنة الأحوال الشخصية) بعضوية اللجنة التي يترأسها وزير العدل والشؤون الإسلامية”(5).
وتتسرب نسخ من القانون المقترح (السني والجعفري) فتتم مناقشته في شهر رمضان من قبل الجمعيات النسائية في ورشة عمل علنية نشرتها الصحافة تقول فيها المحامية جليلة السيد: “إن هذه النسخ الأولية للمشروع ونحن سنحاول إضفاء تحسينات على المشروع ورفعها إلى الجهات المختصة، فهذان المشروعان لا يرقيان لمستوى الطموح ولكننا تعودنا أن نقبل بواقعنا على أمل تحسينه في المستقبل حيث لا يرضي القانون كل طموحنا، ولكن موضوع التشريع مهم أيضاً” (6).
وهذا مثال على الاجتهاد والترجيح في مسألة الولاية في عقد الزواج، تقول المحامية وفاء الحلو: “وأميل لرأي أبي حنيفة لما لهذا التوجه الفقهي من بعد إنساني يحقق للمرأة الإحساس بالمسؤولية الذاتية، والمكانة الإنسانية الكاملة، بالإضافة إلى أن الأخذ بالرأي السابق يتفق مع تطور مجرى المجتمعات المتقدمة”(7).
ولا مانع أن تجتهد المرأة في الشرع بشرط أن تملك آلة الاجتهاد. “ونحسب أن الأمة إذا توفر لها نساء عالمات فقيهات مجتهدات مشهود لهن بعلم الشريعة والتخصص فيها، وبلوغ درجة الفتوى والاجتهاد، ورأين في بعض أحكام الفقه رأياً مبنياً على الاجتهاد بطرائقه وشروطه المقررة، صارت الأمة إلى رأيهن وأخذت بتوجيههن، لأن باب الاجتهاد مفتوح أبداً، وهو ليس وقفاً على الرجال دون النساء” (8).
“ولا يقال: إنكم تشترطون في المرأة أن تبلغ درجة الاجتهاد ولا تشترطون ذلك في الرجل، والحالة أن علماء الشريعة اليوم لا يفتأون يفتون ويحكمون وينطقون باسم الإسلام، وليسوا مجتهدين ولا مشهوداً لهم بذلك، لأننا نقول في الجواب عليه: إن جميع هؤلاء العلماء الرجال الذين يصدر منهم ذلك يعتبرون أنفسهم مقلدين وليسوا مجتهدين، وكلهم يدورون في دائرة المذاهب المقررة ولا يخرجون عنها، وليس فيهم من يزعم أنه يريد إعادة النظر فيما تقرر من أحكام، بينما نساؤنا يردن مراجعة الفقه وتغيير بعض أحكامه، ولا يكون ذلك إلا اجتهاداً، والاجتهاد وإن كان بابه مفتوحاً أبداً فشروطه قائمة أبداً … وهذا حكم عام في الرجال والنساء على السواء.
أما أن يتحدث الرجال أو النساء في الدين بغير علم، فهذا مردود وغير محمود. يقول الله تبارك وتعالى: }وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {(9)، ويقول سبحانه: }وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ{(10)، ويقول عز وجل: }شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ{ (11).
ومع الأسف الشديد، فإن بعض الناس لم يلتفتوا إلى هذه الخصوصية التي تتميز بها الشريعة، والتي ضمنت على مر الأزمان حفظها من عبث العابثين وصيانتها من أوهام الجاهلين، فحسبوها مثل هذه الثقافة العامة المعروضة في قارعة الطريق، يتكلم فيها كل هيان بن بيان، وينتحلها كل أفاك فتان، وصار بعضهم يؤلف الكتب في الإسلام فيأتي بالعجائب والغرائب، تحسبهم وأنت تقرأ كتاباتهم أجانب عن هذه الأمة لا صلة لهم بماضيها ولا حاضرها، ولا بأخلاقها وأعرافها وتقاليدها”(12).