كتاب "الحلم والتوق إلى الحرية"، إنها نصوص أدبية / نقدية حالمة توّاقة ، بل هي همسات قارئة تحاول إيقاظ نصوص إبداعية أخرى – راقدة تحت دِثارها اللغوي – من سباتها ، في ضوء قراءة تأويلية متعمقة ، تطمح إلى ترويض دلالات النصوص المقروءة الجامحة ، في براري الحياة الإ
قراءة كتاب الحلم والتوق إلى الحرية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
النص والزمن البديل
من هذا الفضاء / فضاء الحرية، استمد النص ملامحه وشكـّل مكوناته من الذاكرة المتخيلة، من اليومي، العادي المعاش، من اللامحسوس، اللامرئي من الشعور واللاشعور، من المعقول واللامعقول.
مزيج هذا النص، بين ما هو في اليد وبين الأصابع / وما هو في الفضاء وفوق الشجر. ولى ذلك الزمن الذي كان فيه، تولستوي، وتشيخوف، وجوركي وآخرون نسجوا على منوالهم يصورون فيه الأحاسيس والمواجع البشرية وينقلون نبض الواقع المعاش في كتاباتهم، وحل الزمن البديل الذي تتداخل فيه الأزمنة، وتتسارع فيه المشاعر بين الذاتي والموضوعي والمتخيل والواقعي حيث : "تتكوكب العلاقة بين الفردي، والجماعي، وبين الذاتي والكوني بين المتخيل والواقعي المادي، بين المستويات على اختلافها، وبين ما هو في هذه المستويات، حركة صراعية تنمو بالزمن …"12.
ترى هل تمكنت من قول ما كنت أود قوله، والقول دوما له من الوجوه الكثير والبحث في الكلام يولد المعنى، ولكل معنى دلالته والنص يتطور مع الزمن لغةً ودلالات، والإنسان في بحثٍ دائب ودائم عن الجديد، المبدع الموحي والمتشّبع بالأصالة، والمبشّر بكل ما هو جميل ورائع.
ندوة. القصة القصيرة في ليبيا.
مهرجان المدينة - بنغازي
الجيـاد
مدخل
القصة القصيرة كعالم من عوالم الأدب الرحبة، ذات أبعاد مترامية لا متناهية تعرض وتعالج "القصة" لشرائح بشرية متعددة، ولمناحي الحياة اليومية ولنماذج متعددة الانتماء والهوية الاجتماعية.
وتعرض أيضاً، للمشكل الإنساني العام، كالتي بين الإنسان وقضاياه الحياتية الدائمة التغير والصيرورة، والقاص يحاول بلغته التي كونها، ولملم أحرفها ومفرداتها ضمن تجربته الإبداعية المتنامية، والمتنوعة المشارب والينابيع إذ هي مرتبطة ومنذ البدء بالمواقف التي تعرض له، ورصدا لتفاعلات الناس في الحقل والمصنع، والشارع … واستشرافا للحلم الذي تتطلع إليه المجاميع البشرية بتطلع وحب. ومن ثم يسخر فكره وقلمه لمعالجة هذه الرؤى والأفكار والقضايا برؤيته الناضجة التي صقلتها التجربة والمران في عالم الحرف ودراسة واستيعاب وتمثل الأزمنة، الماضي. والحاضر. والمستقبل. أي الجمع بين هذه الأبعاد الثلاثة، أو تناول كل زمن على حده في تآلف محبب، ديناميكي حركي يسمح به الزمن القصصي.
والقصة، وضمن إطار الحركة التي يتطلبها شخوص العمل القصصي هذا من حيث انتقاؤه، لكنه في أحيان كثيرة يدور الحدث القصصي في زمن واحد أو لحظة واحدة إذ أن الحدث في القصة القصيرة ليس في إمكانه استيعاب شحنة مكثفة من الأزمنة – في مساحة محددة التفاعل. وهو غالباً لا يتجاوز الزمن الواحد، أو يتطلب تكثيفاً حاداً لشحنة من الأزمنة في مساحة عمل وفعل ضيقة.وبالتالي ينعكس هذا التكثيف على الجو العام للعمل القصصي، فتصبح الحركة محدودة لشخوص فكرة العمل القصصي بصورة أشمل، بل قد تتحول إلى دائرة مفرغة من الحركية العابثة، وقد تصل إلى مرحلة من الشلل.
إلا أن الوعي بقيمة الزمن في القصة، ورصد القاص للهموم اليومية الصغيرة التي تعني الكثير بالنسبة لرجل الشارع، ومعالجة القضايا الإنسانية الشمولية في كل مكان من المعمورة.
وتنامى الشخوص، يفرض على القاص، تنامياً وتتابعاً زمنياً في المقابل أي أن القاص لابد له من مزاوجة بين الحدث، وشخوصه في العمل القصصي من البسيط إلى الأعم والأشمل، ومن الماضي إلى الحاضر والمستقبل أو العكس. ولعل دراسة الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابه النقد الأدبي الحديث تبيان وافٍ وسخي لهذه النقطة فها هو يقول :
"أما الشخصيات النامية فهي التي تتطور وتنمو قليلاً بصراعها مع الأحداث أو المجتمع فتتكشف للقارئ كلما تقدمت في القصة، وتفاجئه بما تغنى به من جوانبها وعواطفها الإنسانية المعقدة ويقدمها القاص على نحو مقنع فنياً.." 566.
وتحديد موقف أو حدث رئيسي كمحور ترتكز عليه القصة بحيث لا يشعر القارئ بتعدد الأزمنة، وتداخلها، وتمطى الحدث، بل قد يتعداه إلى الشعور بالتفتت والتشتت. وبالمقابل هذا لا يعني تأطير القارئ أو القاص في زمن واحد محدد الأبعاد والمرامي.
ولكن تظل تجربة القاص الغنية- بوعيه واستيعابه للحدث وعرضه للمواقف فقط أو امتلاكه لناصية لغته كمفردة وكجرس / أو من حيث التراكم "الكمي" أو السيطرة عليها بحيث لا تقوده إلى الإسهاب، أو الإطالة أو المباشرة والالتفاف حول الغرض المطلوب دراسته.
أو تدعوه إلى التبسيط للمواقف والأحداث الصغيرة وإيضاحها على حساب الزمن والموقف القصصي – واللغة لكونها زهرة وسيفاً / ماء ونار تتطلب تهيؤاً وتسلحاً بالوعي، والاستعداد النفسي، للولوج إلى عوالم أرحب، وأكثر نضجاً للطرفين كليهما القاص والقارئ. القاص كمبدع للقصة والقارئ كمستوعب لهذا الإبداع ومتفهم له. منذ أمد بعيد، يقارب على العشر سنوات، وأنا أحاول أن أتفرغ لبعض الوقت لتسجيل وتدوين بعض الملاحظات، ولرصد تجربة القاص والأديب صالح عباس، والذي بدأ نشر بواكير أعماله القصصية مع صفحة الضوء الأخضر بصحيفة الأسبوع الثقافي. في حين أنه الآن، يتبوأ مكانة هامة بين جيل القصاصين الشباب، بالساحة الثقافية العربية الليبية. ومنذ ذلك الوقت ومع السنوات الأولى، ومنذ البدايات، شق القاص صالح عباس، طريقه بمفرده عدا بعض الجلسات والمماحكات النادرة مع هذا أو ذاك من الأدباء والكتّاب.
لملم مفرداته، وصاغ تجربته، في معاناةٍ شاقة مع الحرف، تارة يكون واقعياً، وأخرى مغرقاً في الرومانسية، وتارة أخرى يكون عمله جامعاً ومازجاً بين هذه وتلك في بانوراما، ممزوجة بخط درامي غنائي، دون أن يلحظ ذلك.
ولعل أكبر ما يعيب أسلوب صالح عباس، هو الإسهاب، والاسترسال والتمطي والإكثار من الصور، وتفصيص الجزئيات، والإغراق في الوصف، وتبيان المكملات، وتعرية الشخوص، وتفكيك المركبات وأن بدأ في السنوات الأخيرة يتخلص شيئاً فشيئاً من هذه النقيصة المحببة أحيناً.
والمتتبع لكتابات صالح عباس، سيلحظ هذه الغنائية الدائمة في أسلوبه هذه الغنائية، الموسيقية، التي لم تبرح أعماله منذ بدايته الأدبية، لكونه شاعراً غنائياً، فالجرس الموسيقي، يسيطر على مجمل مفرداته، دون قصد أو تعمد منه.
ولعلى لا أبالغ إذا قلت أنني قد قرأت معظم إنتاجه، وخاصة نتاجاته الأولى منها وهذا يسمح لي بأن أطلق بعض الأحكام شبه القطعية، على عمله الذي سوف أتناوله فيما بعد.