كتاب "ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين"؛ ...وقد يحدث التغيير بالقوة نظراً لإيمان مجموعات به نتيجة معتقدات أفرادها وتصوّرهم أو بسبب حسن النية والحماسة المفرطة وعدم فقه المنهج التغييري، أو استدراج الاحتجاجات السلمية لعسكرتها لتبرير استخدام القوة.
You are here
قراءة كتاب ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وأضعف العلاقة مع الدول الإفريقية بغيابه المستمر في القمم الإفريقية، واستعمل سياسة فرق تسد بالتحريض بين الأقباط والمسلمين، وأخرج شعب مصر العظيم من معادلة الصراع الصهيوني إلى دائرة الصراع العربي، وباعهم بثمن بخس بالتمسك بمعاهدات السلام التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وأصبح كنزاً إستراتيجياً للعدوّ وأحرص الناس على مصالح إسرائيل أكثر من الإسرائيليين أنفسهم لا يدخر جهداً يصب في رضاهم ورضا أمريكا، وابتدع معارضة مستأنسة هزيلة في فترة 1987 - 1989 ومنع الأحزاب الفاعلة والقوى السياسية من المشاركة فحاصرها، بل عمل على إضعافها بالتهميش والإبعاد والتشويه والاعتقال، وقزّم دور مصر العظيمة على المستوي المحلي والإقليمي والدولي، وظل يمثل إسرائيل كوكيل عنها وحوّل الشعب المصري إلى شعب مقهور وخدام ضعفاء، وأفشل معظم القمم العربية بالتشويش أو التخويف، وتعاون مع الاميركيين سنة 2003 لغزو بغداد عاصمة هارون الرشيد كما تعاون معهم في التسعينيات فأرسل جيشه وبنات مصر إلى الأمريكان، وما انتهى دوره حتى ترك شوكة في حلقة الأمن القومي المصري وهي دولة السودان الجديدة وعطّل مشاريع النهضة واعتمد على المعونات والمساعدات خصوصاً الأمريكية فأرهن سياسة البلد وأوصل مصر إلى دولة غثائية، دولة الرجل المريض «جثة بلا روح».
إن معظم زعماء الأنظمة العربية يشبهون زعيمهم الأكبر حسني مبارك الذي علمهم السحر، فانتهجوا منهجه الدبلوماسي القابل للإملاءات الأجنبية؛ أغلقت هذه الأنظمة السلطوية الشرنقة على نفسها من بداية تولي قادتها السلطة لترسيخ أجندة الحكم الفردي التسلطي، فهم لا يرون إلا أنفسهم، ويتعاملون مع الماضي «الإرث التاريخي» باستهتار وتغلق باب التوظيف إلا في المجال البوليسي، وقد بلغ عدد أمن نظام مصر مثلاً المليون ونصف بحيث تكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات، وقد فاق ذلك أمن الصين الشعبية التي عدد سكانها مليار وثلاثمائة، وبلغ أمن تونس البوليسي حوالى ربع مليون ومعظمهم باللباس المدني.
ومن أولويات هذه الأنظمة السلطوية إعادة صياغة الدستور على مقاسها لسد الطريق في وجه كل معارضة قوية بقوانين جائرة ومواد مانعة حتى لا يتسنى للمعارضة الترشح بذريعة عدم القدرة إذا لم تشملها القوانين الجائرة، وتمنح للمعارضة الضعيفة المصطنعة كديكور للظهور إلى الرأي العام الرسمي بأنها دولة ديمقراطية. ومن أولويات هذه الأنظمة أيضاً تسخير أموال الشعب برجال أعمال مشبوهين وتشكيل هياكل تنظيمية حزبية من الضعفاء المتملقين الموالين لهم «الطابور الخامس» لينافسوها في إطار التعددية المزعومة وإظهار التنوع في الساحة السياسية وهم مجرد أرانب تتسابق، وقد تُسخرهم في الحوار كمعارضين أحرار؛ هذه الحفنة الفراعنة لا تؤمن بشعوبها، ولا تؤمن بالديمقراطية رغم أن البحر انشق أمامهم؛ لأنهم يطبقون منهج فرعون.قال تعالى:(قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)[سورة غافر: الآية 29] وقال تعالى(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)[سورةالقصص: الآية 4].
إنّ هذا يدل على أنّ القتل من فعل المفسدين..ولما تُعاين تلك الأنظمة الغرق بعد فشلهم في لعبة العصا والجزرة ولم تغنهم قواتهم الأمنية العلانية والسرية الخاصة والعامة مما تعلمه الشعوب وما لا تعلمه لتتجه نحو الحلول التبعضية لزيادة عمر النظام الفاشل المستبد، فتبادر بالإصلاحات والتنازلات الشكلية باستنساخ نسيج النظام بوجوه قديمة جديدة بأجندتهم، لطرح بعض التنازلات من تعديل بعض المواد في الدستور والوعد برفع حالة الطوارئ عند انتفاء المانع. وقد تعترف الأنظمة بجزء من الأخطاء علانية باتهام بطانتهم التي نقلت إليهم الحقائق مزورة، وقد تضحي ببعض رموزها الذين تورطوا معهم في الفساد والتعذيب لاحتواء الغضب وقتل شعلة الانتفاضة..وتبدأ سيناريوهات انتقال السلطة، فمثلاً الرئيس حسني مبارك رأس العملاء وزعيمهم الذي جرهم إلى الخنوع والتطبيع.
ولما أصبح حكمه قاب قوسين أو أدنى راح يراوغ بتعيين عمر سليمان كنائب له بعد ثلاثين سنة من الحكم، وخاطب شعبه بعجرفة معلناً تشبثه بالسلطة والموت على أرض مصر مذكراً بما قدمه، وأنه مسؤول عما يحدث وسوف يحاسب كل من تسبب في التخريب والقتل، ولم يعتذر لشهداء الثورة. وهذا القائد السفاح معمر القذافي ينتهج سلوك زميله حسني مبارك ولم يقدّم اعتذاره لقتلاه من قبل مرتزقته، ويتجاهل شهداء الثورة من الشعب الليبي العظيم، وسار على منوالهما علي صالح وبشار الأسد.. مما يدل على أن الأنظمة العربية تُحكم عصابات من العبيد ولا تحكم شعوبها.. وهذا نظام بن علي البوليسي بعد الانقلاب على الحبيب بورقيبة ليرسّخ نظامه على شاكلته، فأخرج المرأة من مجالها الطبيعي بدعوى التحرر وكأن الله سبحانه وتعالى ظلم المرأة حتى يأتي هؤلاء الأقزام ليحرروها، واعتبر الحج استنزافاً للعملة الصعبة، وألغى كل ما له علاقة بالإسلام، وهمّش دور جامع الزيتونة بالتضييق على رجاله العلماء، فقضى على كل مقومات الشعب بكل وسيلة لتغريبه وطمس هويته، وأبعد الشعب التونسي عن قضايا أمته العربية والإسلامية، لكن الشعب التونسي حافظ على هويته رغم التغريب والإبعاد الذي راهن عليه النظام لتحويله عن المحيط العربي والإسلامي. وهذا النظام البعثي الذي نادى بالحرية فملأ المعتقلات، ونادى بالإصلاحات فطهر الجيش من الوطنيين، ونادى بالاشتراكية فقسم الثروة على شيعته «أصحاب الولاء والطاعة المطلقة من كل الملل والنحل» وتبنى القضية الفلسطينية وهو أول من دخل في صراع مع منظمة التحرير الفلسطينية، وقد كشفت الأحداث صورته الحقيقية التآمرية على شعبه بعد أن استباح دماءهم وأعراضهم، وسخّر كل إمكانيته الحربية الحديثة في كل مدن سورية وحوّلها إلى بلد منكوب بكل المعايير، لكن الشعب السوري العربي الأصيل منتصر على شبل الأسد المفترس، ومن يزرع الشوك يحصد الجراح.