كتاب "ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين"؛ ...وقد يحدث التغيير بالقوة نظراً لإيمان مجموعات به نتيجة معتقدات أفرادها وتصوّرهم أو بسبب حسن النية والحماسة المفرطة وعدم فقه المنهج التغييري، أو استدراج الاحتجاجات السلمية لعسكرتها لتبرير استخدام القوة.
You are here
قراءة كتاب ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لم يعتذر الزعيم حسني مبارك في خطابه للشعب وتجاهل أرواح الشهداء، وبرر عنف الشرطة بأنها لحماية الشعب، وتعهد بالإصلاحات لاحتواء الأزمة ولم تشفع له تلك الكلمات، بل حتى أمريكا طالبته بمزيد من الإصلاحات وعدم استعمال العنف مع المتظاهرين. أما الخطاب الثاني فكان عاطفيًا وقال: لن أرحل، وسأموت هنا في مصر فكان له تأثير على الكثير. فقد حاول حسني مبارك في خطابه اللعب على العواطف وكاد أن يفلح وإذا بقافلة الجمال والخيول والسيارات المصفحة تدوس المتظاهرين في ساحة ميدان التحرير، فيزداد الضغط الجماهيري من كل حدب وصوب وتتضاعف الأعداد بالملايين ويرتفع سقف المطالبة من رحيل النظام إلى محاكمته، وقد أقاموا محاكمة تمثيلية في ساحة ميدان التحرير، ودعا ائتلاف ثورة 25 فيفري عمال مصر إلى عصيان مدني داخل المصانع والورش مع حماية الممتلكات التي هي ملك للشعب وليست للنظام، وكان الخطاب الثالث محاولة يائسة لعل وعسى.. يبدو أنه عازما على البقاء رافض مبدأ التنحي بالمطلق حتى لو فوض صلاحيته لنائبه، لذلك بدأ فارضاً نفسه من جديد للشعب المصري فيقول: مَنْ لا يعرف حسني مبارك، ويقول لن ننصت للإملاءات الخارجية وكأن هذه الملايين المطالبة بالرحيل شعب آخر، وهذا هو المنطق الصحيح لأنه اعتاد الإملاءات من الخارج، فلما جاءته من بني جلدته اعتبرها إملاءات، وخيّب آمال المتظاهرين بهذا الاستخفاف والبرودة، وجاء هذا الخطاب متأخراً وغير كاف ولم يلب مطالب الثورة الشعبية التي عزمت على الموت في ميدان التحرير أو في سجون الطاغية.
وهذا ما زاد في تأجيج مشاعر المواطنين وجعل المتظاهرين يتضاعفون إلى كل المراكز الحساسة، إلى قصر العروبة الرئاسي وقصر الاسكندرية، وتطورت الأحداث وتسارعت. وكان سيناريو انتقال السلطة التفويض. [والتفويض غير التنحي، تفويض صلاحيات: أي يعني الالتفاف على مطالب الجماهير، ويعني أنه سيرجع مرة أخرى، أي إلى نقطة الصفر؛ فالتفاوض غير الحوار، فالتفاوض على قواعد غير ملزمة].
قال صلاح الراوي: لا يجوز لمن ينوب عن رئيس الجمهورية طلب تعديل الدستور، أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو إقالة الوزارة، مشيراً إلى أن حسني مبارك يراوغ بالشعب المصري وأن الإنابة لا تعني التفويض، موضحاً بالنصوص الدستورية والقانونية بأنها لا توجد مرادفات بل هي تتميز بالدقة التامة وكل لفظ يعني دلالة محددة[20].
وحاول نائبه عمر سليمان تهدئة الأوضاع مع المعارضة والأحزاب وإن كان هذا الترتيب جاء من البيت الأبيض الذي طالب بانتقال سلس للسلطة ليظهر للعالم أن التغيير بدأ فعلاً ابتداء بتعيين نائب لرئيس الجمهورية..
وكرّر عمر سليمان الخطأ ذاته،ولم يعتذر للشعب كزعيمه حسني مبارك وصرّح بأنه التقى بجميع القوى السياسية ومنهم من رفض ومنهم من استجاب ومنهم من طلب التأخير. وهدّد الإخوان المسلمين بأنها فرصة أخيرة لهم، ومن ناحية أخرى طلب منهم الحوار، وأضاف: لن يفلت أحد من العقاب من الذين قاموا بالعنف «البلطجة» في الوقت الذي يواجه فيه الشعب خراطيم المياه وقنابل الغاز والرصاص الحي وكل وسائل القمع.. وجمّع فئة من الشباب لم تكن تمثل شباب الثورة للقفز على المطالب وإسكات الرأي العام، لكن لما كشفت الأحزاب الفاعلة عن كثب نيّات النظام في التفاوض، وصرّحوا بعدم الرجوع خصوصاً الإخوان المسلمين الذين وضعوا النظام في تناقض كبير بعدما كانوا محظورين قانونياً من سنة 1954.. وظل الترقّب في ميدان التحرير بفارغ الصبر.. وإذا بالتلفزيون المصري يذيع عن خبر هام ومقتضب في السادسة من مساء الجمعة 11 فبراير/شباط 2011، ويعلن عمر سليمان النبأ على مضض فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، أيها المواطنون، في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد والله الموفق.
فالشعب المصري مثلاً: قال عبد الباري عطوان: «شعب أيوب (ع)، ولكن عندما ينفد صبره يتحول إلى شعب العمالقة الجبابرة يجرف كل من يقف أمام ثورته، مثلما فعل على مدى سبعة آلاف عام من تاريخه الحافل بكل ما هو مشرف. فإذا حارب، حارب بشجاعة ورجولة، وإذا صادق وسالم تحول إلى أنموذج في الوفاء بالعهود والوعود»[21].