كتاب " الدين ونشوء العلم الحديث"، تأليف ريجر هوكاس، ترجمه إلى العربية زيد العامري الرفاعي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008، ومما جاء في مق
You are here
قراءة كتاب الدين ونشوء العلم الحديث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الأول
الله والطبيعة
1 - 1 وجهة النظر الإغريقية
1 - 1 - 1 ما قبل سقراط
في اللاهوت الإغريقي القديم ، ارتبط موضوع أصل الآلهة ارتباطا وثيقا بنشأة الكون ؛ إذ كانت الآلهة تجسيدا للقوى الكونية الناتجة من عمليات الحب والتكاثر . والعالم ، بنظر هذا اللاهوت ، كائن حي وبالتالي المصدر الالهي لكل الموجودات الحية و بضمنها الآلهة نفسها . ومع أن الفيزيقا الأيونية جردت الأساطير من طابعها البشري ، إلا أن الفكرة الأساسية عن العالم ظلت كما هي . فالطبيعة ( Physis ) تمثل عندهم أساسا عملية صيرورة كل الأشياء فضلا عن نموها ، وعمليا كانت تعني لهم نفس ماتعنيه عملية التكوين . وأصبحت "المادة" ، هي الكائن الإلهي نفسه ، التيامتزجت به وتوحدت معه(1) . اعتبر طاليس (القرن السادس قبل الميلاد) الماء هو أصل كل الاشياء و حسبما ذكر ارسطو فقدماء الاغريق قالوا الشئ نفسه بطريقة اسطورية عندما أعتبروا المحيطات والبحار هما أصل العالم(2) . ويروى أن هيراقليطس ( Heraclitus ) ، القائل أن النار هي أصل كل الاشياء ، كان يقف قرب نار المطبخ ويرحب بضيوفه قائلا : "هلموا ، حيث توجد الهة هنا أيضا" . لقد اعتبر هؤلاء الفلاسفة الطبيعة إله ، اي كيانا أزليا يولد نفسه باستمرار ، فضلا عن مساواتها أحيانا بالآلهة الاولمبية . وبهذه الطريقة استعادت هذه الآلهة الاولمبية ، المخلوقة من الأرواح التي سكنت الأشجار والبحيرات والأنهار ، خاصيتها الأصلية عقلانيا . وكما قال اشيلوس* ( Aeschylus ) : " زيوس هو الأثير ، زيوس هو الأرض ، السماء هي زيوس، زيوس هو الكل وكل ما فوقه" . ولربما كانت الفلسفة تعبيرا عن موت الآلهة القديمة غير انها -[أي الفلسفة] ذاتها كانت دينا"(3) .
بعد أن برهن الفلاسفة إلايليون Eleatic philosophers ( القرن الخامس قبل الميلاد ) الثبات المطلق لوجود الكيان الالهي دون إن يعتريه أي تغيير ، إنشغل فلاسفة الطبيعة المتأخرين بمسألة"حفظ الظواهر"* . وبينا هم يؤكدون على فكرة ثبات الكيان المثالي ، سعوا في الوقت نفسه إلى تفسير التغيرات المرئية في عالم الظواهر من خلال إعادة ترتيب وفصل واتحاد الدقائق الصغيرة غير القابلة للتغير . وكانت عناصر امبدوقليس (Empedocles) الأربعة ( الأرض والماء والهواء والنار ) تحمل أسماء الآلهة الاولمبية . وولدت هذه العناصر باتحادها بقوة الحب (افروديتAphrodite ) كل الأشياء ابتداء من الشمس والأرض والأشجار وحتى "الآلهة الأزلية الخالدة" .(4)
والفلاسفة الذريون برفضهم وجود أي مبدأ عقلي في الطبيعة ، ظلوا ، في هذه القضية ، خارج التراث الديني للفلاسفة الطبيعيين ؛ و لكنهم بقوا داخله عندما ألهوا الطبيعة بقدر تاليه سابقيهم تقريبا . وأقر الذريون أيضا بثبات الكيان المثالي ولكنهم ، مثل امبدوقليس ، دافعوا عن الشرك الفلسفي بدلا من تأييدهم للتوحيد الفلسفي الذي أتى به فلاسفة إيليا . وافترضوا [أي الذريون] عددا لانهائيا من الذرات غير القابلة للانقسام وغير المتغيرة ، بأنواع لانهائية من الأشكال والأحجام ، تتحرك في فضاء فارغ لانهائي . وبذلك فسرت مسالة حفظ الظواهر بإرجاع ورد كل تغير مرئي ظاهري إلى تغير موضعي لهذه الذرات والى انفصالها أو إعادة ترتيبها . وهنا فقد تجزأ الوجود الإلهي إلى ذرات ظلت تحمل خواص إلهية واضحة وكانت هذه الذرات ازلية غير متغيرة ومكتفية ذاتيا . واعتقد الذريون بوقوع وحدوث كل الحوادث وفقا لقانون الضرورة ( Law of Necessity ) . على أن هذه الضرورة ، وهي علة فاعلة ، تستقر في الخواص الموروثة للذرات ، وهي ليست علة غائية ولا غاية .
ومع ذلك نجد في هذه الضرورة أثرًا من الدين القديم الذي أعتبر أن القدر والضرورة والعدل كلها أوجها لنظام عالم كوني تميز بمعاقبة كل من ينتهكه حتى لو كان من الالهة(5) . فوفقا لهيراقليطس يبقى إله الشمس داخل الحدود المخصصة له وإلا ستكتشفه الارواح المنتقمة والتي هي عبيد الهة العدالة(6) . ومن ثم كانت الضرورة ، كما لو أنها اله اعَلى super - god ، هي النظام الاخلاقي للطبيعة والذي يخضع لها[ أي للضرورة] الالهة الاولمبية والهة فلاسفة الطبيعة وحتى الهة الذرة . ومع التباين الشديد بين تصورات فلاسفة ماقبل سقراط ، فما كانت " تاملات وافتراضاتكل من فلاسفة الايونين والايلين والفيثاغوريين ، غير البحث عن الالوهية : يعني البحث عن الجوهر الالهي الذي يقدر ويسند ويدعم نمو العالم وتطوره " كما قال جلبرت (O . Gilbert (7.