تنسج ورود الموسوي جملتها المعبأة بروح المعنى، وكأنها تحوك دربا لخطى قادمة ومغايرة تحاول ولوج عوالم من حلم وحياة، في محاولة للخروج من رماد الواقع المعيش وآلامه، متلفعة وجه كوميديا سوداء ساخرة حد النـزف، وبالرغم من هندستها الخاصة للبناء السردي المحكم لديها،
You are here
قراءة كتاب ما قالته الرصاصة للرأس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
لم يعد في ذاكرتي شيء.. لكنني أتذكر جيداً صراخي وانا أحُثُّ التراب على رأسي.. لم أفقه شيئاً من عباراتهم (خطية.. راح تظل يتيمة) لم أعرف ماذا تعني (يتيمة) ولم أعرف أنَّ اليتم ظلمٌ آخر حين يجيء من عمي.. مرّت أيامّي ثقيلة كنتُ أخرج أول النهار إلى أطراف القرية حيث القبور كنتُ أتحدثُ مع أمّي وأبي.. كنتُ أقضي نهاري أبحثُ عني.. عن وجهي الذي بدا يشحب.
وعيناي.. عينايَ غارتا من كثرة البكاء.. وشعري مازال أشعثاً لم يجبرني أحد على الإستحمام.. ولم تصبني رائحة العفن كما كل البشر.. كانت زوجة عمي تنصهر غيرة مني.. وبناتها أيضاً.. أمّا عمي فكان يتلذذ بإذلالي وجاء اليوم الذي منعوني فيه من الخروج إلى المقبرة.. صرختُ بوجوههم.. بكيتُ.. لطمتُ خدي.. لكنّ الركلات كانت أقوى من تحملي.. كان لون العالم يخفت تدريجيا مع كل ركلة.. حتى غبتُ عن العالم وغاب الأخير عني ..!
لا أدري كم مرّ علي من الوقت وأنا حبيسة هذه الزريبة المتروكة.. حجرة طينية كانت مربطاً للأبقار والأغنام ..رائحة الروث (1) تشق رأسي
لا سقف
السماء تمطر بشدة.. أيقظني المطر.. غسلني.. واغتسلتُ أخيراً بالماء.. لم يكن أبي ولم تكن كفاه كي تنتشلني.. لم أكن سوى حيوانة مربوطة في هذه الزريبة التي خلت إلا من الروث وبقايا الجت (2).
كانت تمطر بشدة وكنتُ أصرخ بشدة.. كان الجوع يقرصني كلما صرخت حتى بُحَّ صوتي ولم أقوى على الصراخ.. فتح عمي باب الزريبة الخشبي فتحتُ عينيّ على أزيز الباب.. كانت الأرضية مغطاة بالقاذورات والمطر.. لم ينفتح الباب معه ركله بقوة.. وهو يصرخ بي:
- امْـخَبّلّة، إنْـتِـي مخبّلة، والمخبّل هذا مكانه .
رمى قرص رغيف بوجهي وأحكم غلق الباب
لم أكن أعرف كيف لي أن أتصرّفَ مثل مخبولٍ أو مجنون.. لم أكن أعرف أنّ ذهابي للمقبرة كل يوم يسمى خبالاً وجنوناً بعرف العقلاء.. لم أكن أعرف كيف أتعامل مع جنوني الذي اكتشفه عمي ولم يخبرني أبوايَ عنه ..!