You are here

قراءة كتاب ناصر 67 - شـهادة إسرائيلية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ناصـر 67 .. شـهادة إسـرائيلية

ناصر 67 - شـهادة إسرائيلية

كتاب " ناصـر 67 - شـهادة إسـرائيلية " ، تأليف: د.نبيل راغب ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 5

الفصل الأول: شهادة عسكرية

(1) موشيه دايان

عندما يتكلم موشيه دايان نجم العسكرية الإسرائيلية عما خططه عبد الناصر فى حرب الاستنزاف ، وما حققته القوات المسلحة المصرية على أرض سيناء المحتلة أو فى مجالات أخرى فيما بين عامى 1967 و1970 ، فإن شهادته لابد أن تكون دليلاً دامغًا على تلك الحرب الضروس التى أكدت للقادة الإسرائيليين أن ما وقع فى يونيو 1967 كان استثناء من قاعدة لا يمكن تجاهلها ، وهو الاستثناء الذى حاولت الدعاية الإسرائيلية أن تصوره على أنه قاعدة لا تقبل الجدل .
وبحكم أن دايان شغل منصب وزير الدفاع الإسرائيلى منذ عام 1967 وحتى عام 1974 ، أى فى الفترة التى وقعت فيها حرب يونيو 1967 ، وحرب الاستنزاف (1967 – 1970) ، وحرب أكتوبر 1973 ، فكان من الطبيعى أن يصبح رمزًا لتسلط فكرة المؤسسة العسكرية على المجتمع الإسرائيلى ، ومسؤولاً عن إدارة الأراضى العربية من خلال الحكم العسكرى ، وتنفيذ سياسة إسرائيل فيها ، خاصة تلك التى تتمثل فى أسلوب العقاب الجماعى ، ونسف المنازل ، وتبنى سياسة الجسور المفتوحة ، وإنشاء مزيد من المستعمرات الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة .
وشخصية بهذا الثقل المحورى عندما تعترف بوطأة حرب الاستنزاف المصرية على الدولة الإسرائيلية برمتها ، وذلك برغم الانتصار الخاطف الذى حققته وجعلها تعيش حقائق أروع من الأحلام ، فإن مثل هذا الاعتراف يؤكد بما لا يقبل الجدل أن عبد الناصر استطاع أن يحيل أحلام إسرائيل السعيدة إلى كوابيس مريرة ، حاولت القيادة الإسرائيلية أن تخفيها بقدر الإمكان بعيدًا عن أعين المجتمع الإسرائيلى ، وذلك خلف ستار من الدعاية البراقة التى سعت إلى غسيل المخ الإسرائيلى وتضليله حتى لا تتكشف حرب الاستنزاف بحقائقها المرعبة .
فقد خصص دايان الفصل السابع والعشرين من مذكراته لحرب الاستنزاف التى يرى أنها بدأت فى أعقاب حرب يونيو 1967 بأشهر قليلة . ويعترف منذ أول سطر بأنه سرعان ما تأكد أن السلام ما يزال بعيدًا ، برغم أنه فى الأيام الأولى التى أعقبت الخامس من يونيو ، كان واثقًا من أن إصرار الشعب المصرى على رفض تنحى عبد الناصر واستمراره فى موقع القيادة حتى النصر ، لم يكن سوى إجباره على الاستسلام لإسرائيل وشروطها التى ستمليها عليه . فلم يكن هناك بديل آخر أمامه . لكن بعد نصف عام فقط يجد دايان نفسه مضطرًا إلى الاعتراف قائلاً :
«كان نصف عام قد مر على حرب الأيام الستة . وكان يبدو واضحًا أن السلام ما يزال بعيدًا . فإن واشنطن كانت قد أبلغت عبد الناصر ، أن إسرائيل مستعدة للانسحاب إلى حدود ، معترف بها دوليًا ، فى نطاق اتفاقية سلام مع مصر وسوريا . لكن الرئيس المصرى لم يتراجع عن معارضته العنيدة لوجود إسرائيل بالذات . فالاستنتاج ، الذى استخلصه من هزيمة بلاده عسكريًا ، كان وجوب إعادة بناء الجيش المصرى ، وتجنيد العالم العربى كله ، فى النضال ضد دولتنا» .
هكذا أيقظ عبد الناصر إسرائيل من نشوة الخامس من يونيو 1967 وأحلامها السعيدة ، لتتأكد أن مصر قد خسرت مجرد معركة خاطفة فى مواجهتها ، وأنها لا تزال قادرة ، سياسيًا وعسكريًا ، على مواصلة الصراع المصيرى حتى نهايته برغم خسائرها الجسيمة والفادحة فى يونيو 1967 . وكان دايان يتابع بذهول ما يفعله عبد الناصر الذى ظنت إسرائيل أنها استطاعت أخيرًا أن تقضى عليه قضاءً مبرمًا . ذلك أنها لم تدرك أن جذوره فى مصر والعالم العربى بهذا التعمق والرسوخ والتشعب . وكان مؤتمر الخرطوم فى أغسطس 1967 مفاجأة ، ليس لإسرائيل فحسب بل للعالم أجمع . فقد أثبت أن المحنة كانت بمثابة البوتقة التى انصهر فيها المعدن العربى النفيس ، فالتف الشعب العربى كله حول الزعيم الذى عاش معه أحلى انتصاراته . يقول دايان :
«فى 29 أغسطس 1967 ، انعقدت فى الخرطوم قمة ، حضرها زعماء 11 بلدًا عربيًا : مصر ، العراق ، الأردن ، لبنان ، السعودية ، الكويت ، ليبيا ، السودان ، تونس ، المغرب ، الجزائر . ولم تتمثل سوريا ، لكن منظمة التحرير كانت هناك . ونزولاً عن رغبة عبد الناصر ، تبنى المؤتمر المبادئ الأساسية ، التى قررت الدولة العربية الالتزام بها» ، وهى على وجه التحديد ، اللاءات الأربع الشهيرة : لا للسلام مع إسرائيل ، لا اعتراف بإسرائيل ، لا تنازل عن الحقوق القومية للفلسطينيين ، لا مفاوضات مع إسرائيل . كما أبدت الدول المنتجة للنفط لعبد الناصر ، أنها ستستمر فى مساعدة مصر ، وستعوضها عن خسائرها الناتجة عن إغلاق قناة السويس ؛ فتعهدت العربية السعودية بأن تساهم ، سنويًا ، بمئة وعشرين مليون دولار ، والكويت بمائة واثنين وثلاثين مليونًا ، وليبيا باثنين وسبعين مليونًا .
هذا على المستوى العربى ، أما على المستوى الدولى فقد تأكد الاتحاد السوڤيتى من إصرار عبد الناصر على مواصلة الكفاح المسلح لإزالة آثار العدوان ، وأنه إذا لم يساعده بإمداده بالسلاح فإنه سيفقد مكانته الدولية المتميزة فى المنطقة فى مواجهة الكتلة الغربية بصفة عامة والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة . ولذلك لم يندهش دايان عندما وجد المساعدات العسكرية السوڤيتية تشق طريقها مرة أخرى إلى مصر لإعادة بناء جيشها بدون أدنى تأخير ، بل إنه فى يونيو 1967 ، أى بعد أيام معدودة فى أعقاب الحرب ، وصلت إلى مصر بعثة عسكرية سوڤيتية رفيعة المستوى ، تتألف من 91 ضابطًا كبيرًا ، برئاسة قائد الجيش السوڤيتى المارشال زخاروف . وسرعان ما تم الاتفاق على إمداد مصر بالأسلحة جوًا وبحرًا . ويعترف دايان بقوله :
«وفى خلال 18 شهرًا ، لم تكن مصر قد أعادت فحسب تشكيل قواتها العسكرية ، وعادت بها إلى مستوى ما قبل حرب الأيام الستة ، بل إنها عززت قطعها المدرعة والجوية» .
ولم يكن هذا التعزيز هدفًا فى حد ذاته ، بل كان تأكيدًا لحرب الاستنزاف حتى تتأكد إسرائيل من أن الوضع الذى ترتب على حرب يونيو هو وضع غير طبيعى ولابد أن يتغير إن عاجلاً أو آجلاً ، وليست هناك غير وسيلة واحدة لتغييره وهى القوة العسكرية . ومن هنا كان المبدأ الذى واصل عبد الناصر تطبيقه والذى يؤكد أن ما أخذ بالقوة لابد أن يسترد بالقوة . ويرى دايان أن إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات كان إعلانًا مدويًا من عبد الناصر للسير على هذا النهج والتصدى للتحدى فى كل صورة . يقول دايان :
«والحادث الأول المهم ، وقع بعد مرور أربعة أشهر على حرب الأيام الستة ، وعلى وجه التحديد فى 21 أكتوبر 1967 ، عندما عمد زورق طوربيد مصرى ، من نوع «كومار» ، سوڤيتى الصنع ، مجهز بصواريخ ، إلى إغراق الطراد الإسرائيلى «إيلات» ، على بعد حوالى 13 ميلاً ونصف ميل من بورسعيد ، خارج المياه الإقليمية المصرية ، فقد أطلقت الوحدة المصرية صاروخين ، أغرقا «إيلات» وتسببا فى خسارة 47 بحارًا بين قتيل ومفقود» .
هكذا بدأ عبد الناصر فى تحويل حلاوة النصر الإسرائيلى إلى مرارة العلقم بعد أن تصورت إسرائيل أن الأمور كلها قد دانت لها ولن تقوم لمصر قائمة . ولا شيء يوجع إسرائيل مثل فقدها للأفراد ، ذلك لأن ترسانة الأسلحة الأمريكية مفتوحة لها على مصراعيها كى تنهل منها ما تشاء وبلا مقابل ، لكن من يعوضها عن فقد 47 بحارًا غاصوا إلى القاع ليلتهمهم السمك ؟ ما صدى هذه الكارثة عند أسر هؤلاء القتلى بصفة خاصة والمجتمع الإسرائيلى بصفة عامة بعد أن ظن الإسرائيليون أن السلام قادم إليهم على طبق من فضة ؟!
كان عبد الناصر يدرك جيدًا أن إسرائيل لابد أن ترد بعنف وقسوة ، حتى تحفظ القيادة لنفسها ماء وجهها فى مواجهة المجتمع الذى شرعت أحلامه وآماله فى السلام والاستقرار فى التبدد والتلاشى . يقول دايان :
«رددنا بضرب المصافى ، قرب مدينة السويس ، وبإحراق مستودعات النفط فيها ، ورد المصريون بدورهم ، فاشتعلت نيران المدفعية على طول الجبهة» .
كان دايان يظن أن التدمير العنيف للمصافى وإحراق المستودعات سيلقن المصريين درسًا قاسيًا يذكرهم بذلك الذى تعلموه فى الخامس من يونيو ، وبذلك تعود الأمور إلى نصابها ، ويصبح إغراق المدمرة إيلات مجرد استثناء عابر من قاعدة الرسوخ الإسرائيلى الوطيد . لكن الضرب المدمر العنيف لم يرهب المصريين ولم يلزمهم عقر دارهم بل ردوا عليهم بنفس العنف والقسوة ، وتحولت الجبهة إلى جحيم مقيم . وكان الموقف من الخطورة بحيث توجه دايان بالطائرة إلى منطقة القناة . يصف الحالة بقوله :
«كانت مصافى السويس ما تزال مشتعلة ، فرحت أنظر إليها من الضفة ، التى كانت قد سقطت فى أيدينا . وفى هذه الأثناء ، وصلت أنباء تفيد بأن المصريين استأنفوا القصف فى قطاع آخر . فأوصيت قائد القطاع الجنوبى ، الذى كان يرافقنى ، بأن يكتفى بتوجيه ضربات سديدة» .

Pages