تعرض الكاتبة فتحية النمر في روايتها "مكتوب" تجربة حساسة لسيدة متزوجة تعرضت لضغوطات اجتماعية قاسية في الفترة المبكرة من حياتها، فتصيبها أزمة نفسية ترافقها لمدة طويلة فيما بعد. في التجربة، تلفتنا إلى الجانب النفسي الذي نحتاج مراعاته ورعايته في المرأة، حيث أنه
You are here
قراءة كتاب مكتوب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
-1-
السادس والعشرون من يونيو لعام 2011 هو يوم سفرها مع ولديها، خولة ذات السبعة عشر ربيعاً وراشد طفل الثامنة، لقضاء إجازة الصيف لهذا العام، ليلى تحدّث نفسها: أظنني لم أوفَّق في الترتيب للسفرية، فتوقيت الرحلة لهذا العام يبدو تعيساً، بل غاية في السوء، مختلفاً تماماً عن الأعوام الماضية، كيف لم أتنبه للأمر، بل ربما تنبهت غير أنني ركنت إلى المجازفة، فكثيراً ما أعتمد على المجازفة وفي أمور قد تبدو مهمة للجميع.
فهنالك قضايا لابد من العناية الجادة بالتحضير لها، تترتب على قراراتنا كان لا بد من التفكير في تداعياتها، لكنني هكذا اعتدت، وكم من مرات حاولت أن أفسر الأمر، بأن أحلل أسباب تلك العادة الغريبة، غير أنني لم أجد التفسير المفيد المقنع، خالطت نماذج من أصدقائي وأقاربي، هم على النقيض مني تماما، أراهم يبالغون بالتفكير في كل أمر قبل الإتيان به، ويقلّبونه على كل وجوهه! مثلما أعرف الكثير ممن هم من شاكلتي، من يحركهم التهور ويقود أفعالهم وقبلها قراراتهم.
بالنسبة لتوقيت الرحلة، فهناك أمورٌ عالقة على جانب كبير من الأهمية، أبرزها قضية لم تتضح معالمها بعد،
وقد تكون هناك مشاكل ستترتب على الأمر التعيس ذا، فالامتحانات لم تنته بعد، كما أن النتائج لن يتم الإعلان عنها قبل مضي وقت ليس بالقصير، على الأقل عشرة أيام وسفرنا سيكون قبل ذلك، ربما كنت على ما يشبه الثقة في نتائج راشد، فيما يختص بنتائجه هي تتبع ما يسمى بالترفيع الآلي.
النظام الغريب الذي تم استحداثه هو في الصف الرابع، فطلبة الصفوف الدنيا أمر ترفيعهم إلى صفوف أعلى أصبح يتم بشكل آلي، أيا كانت نتائجهم ومستوياتهم. راشد في الصف الرابع، رغم أن سنه لا يؤهله لأكثر من الصف الثالث، فقد سبب القفز عدم التكافؤ بين سنِّه وسنته الدراسية، فضلا عن الترفيع التعيس ذاك، هو ما يشبه الغلطة الكبيرة التي وقعت بها أنا، فحاولت وبتحريض من والده أن أجبره على القفز في مرحلة الروضة. قال لحظتها بحماس كبير معجون بما يشبه الأمر: ما الداعي لسنتين يقضيهما في الروضة؟تكفي واحدة، على كل حال فهي مدرسة خاصة.
ما الذي يعنيه برأيك كونه في مدرسة خاصة؟أيعني ذلك أن تحرمه من حقه الطبيعي في التدرج كسواه؟
مدرسة خاصة، يعني لن يهمها شيء قدر اهتمامها بالمربح، لذا علينا أن نستغل الأمر لصالحنا فذلك لن يكون في صالحنا تأكد فإنه سيعاني لاحقاً وسيكون متعثرا ولن يكون مستواه جيداً، بل سيكون بالاهتمام كذلك ومضاعفة الجهد من جهتنا، وبالاعتماد المعتاد على المدرسين، نقلص على الطفل سنوات الدراسة باختصارها وفي النهاية كل ما يتلقاه سيتبخر سريعاً بعد الانتهاء من المدرسة، هذا إن كان طالباً جيداً وإلا فقبل ذلك بكثير.
نقلت بدوري ذلك مضطرة إلى مدير مدرسته، فوافق بعد إظهار شيء من التعقيد، الذي كان مفتعلا، افتعله ربما لأسباب وأغراض مفهومة، غير أنني لن أكون بمثل تلك الثقة فيما يتعلق بنتائج أخته، فهي في المرحلة الثانوية ورغم أن علاماتها مبشِّرة ومطمئنة، لكن المفاجآت قد تظهر على حين غرة، رغم خطورة التغاضي والتجاهل لمسألة الامتحانات وتداعياتها، التي قد تكون بما يشبه الصدمة، غير أن الموضوع قد انتهى، لا مكان للتراجع.
فالمبلغ قد تم تحويله إلى شركة السفريات، وبطبيعة الحال لن يمكنها إجراء أي تغيير في المسألة، لأسباب كثيرة أولها الحجز، فيوم السفر قد حُدّد، حتى لو اضطررنا إلى التغيير، حتما ستتغير أمور أخرى أولها الأسعار، وجهتنا هذا العام إلى بلاد، لم أفكر بزيارتها قط، لم تخطر ببالي يوماً، بل كنت أبدي دهشتي الواضحة القوية لمن كان يفكر في مثل تلك الخطوة من الأصحاب والمعارف.
ستستغرق الرحلة إليها ذهاباً أكثر من أربع عشرة ساعة، ومثلها إيابا وعودة، يااااااه كم يبدو ذلك مخيفاً! سبع ساعات متواصلة بداية من دبي، وإلى محطة وسطى ستكون بيننا وبين وجهتنا المقررة، بعدها بثلاث ساعات من الانتظار المجهول في مطار تلك البلاد المحطة، سيكون لزاما علينا مواصلة الرحلة إلى الوجهة المرسومة، إننا متجهون إلى أستراليا.