كتاب " عبق الريحان في علوم القرآن " ، تأليف د. نوح الفقير ، والذي صدر عن دار المأمون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب عبق الريحان في علوم القرآن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

عبق الريحان في علوم القرآن
ربانية القرآن
ثبتت ربانية القرآن الكريم بداية نزول آياته على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لما نزل به الروح الامين، بلسان عربي مبين، تحدى الله عز وجل البشر أن يأتوا بمثله فعجزوا، وهو باق ما بقيت الدنيا وعلى مر الدهور والعصور يتحدى عوامل الفناء والافناء، وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه فقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(51) بخلاف الكتب السماوية السابقة التي وكلت الى من نزلت عليهم قال تعالى: {إنا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء}(52).
لقد كان لهذا الخلود الاثر البين في كثير من المجالات اذ حفظ الله سبحانه وتعالى بحفظه الشريعة، وأبقى على الامة، وحفظ لها اللغة التي هي مناط الحضارة والرفعة، إضافة الى معالجة القرآن شتى مشكلات الانسانية في مرافق الحياة كافة علاجاً حكيماً مما عزز في أسباب خلوده واعجازه وسعادة الناس به، كتاباً الهياً بين يدي البشر من أحب أن يكلمه الله فعليه بالقرآن، ينهل من معينه العذب الذي لا ينضب.
أدلة ربانية القرآن
يدل على ربانية القرآن العظيم أدلة كثيرة اذ تضمن القرآن فيضاً من الشواهد على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وتلقيه الوحي، ومن هذه الأدلة:
1 – بداية نزول القرآن وكيفية استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم، له، إذ روى الامام البخاري عن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين أنها قالت: أول مابدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبّب اليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع الى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ قال: ما أنا بقارىء؟ قال: فأخذني فغطني حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت ما أنا بقارىء؟ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم}(53) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق)(54).
إن التماس النبي صلى الله عليه وسلم الدثار والتزميل مع رجفة الفؤاد واللجوء الى الفراش كل ذلك يشير الى خوف شديد ألمّ به نتيجة مؤثر خارجي فلو كان القرآن من نفسه أتراه يخاف؟ ولكنه الوحي الذي أتاه لأول وهلة بما أفزعه ليروض نفسه على استقبال الزائر المعلم الكريم.
2 – العتاب الالهي للرسول صلى الله عليه وسلم في بعض مواضع القرآن، فقد كان يأتيه الوحي على غير ما يهوى ويحب، ويأذن له في شي لا يميل اليه، ويعاتبه على فعل مباح كما في أسرى بدر الذين قبل النبي صلى الله عليه وسلم منهم الفداء، فعاتبه ربه فقال: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم)الانفال68، ومثل تلك المعاتبة في سبب نزول {عبس وتولى أن جاءه الاعمى} عبس1 وغيرهما، ولو كانت هذه المعاتبة غير صادرة عن الله تعالى أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلنها لتقرأ على مر الدهور والعصور! إنه لو كان كاتماً شيئاً لكتم أمثال هذه الآيات لأن الذي يدقق النظر يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا خُير بين أمرين اختار الأقرب الى رحمة قومه وهدايتهم والأبعد عن الغلظة والجفاء واثارة الشبه في دين الله، من غير علم منه ما هو الأرجح في ميزان الحكمة الالهية، فهل هذا من الذنوب التي تستوجب التأنيب؟
3 – الانذار والتهديد للرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الآيات القرآنية لئلا يتقول على الله، كقوله تعالى: {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثملقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين}(55) وقوله سبحانه: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئاً قليلاً وإذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا}(56) إن هذا الاسلوب في الانذار يقرر بلا تردد أن القرآن كلام الله، إذ لا يتسنى لمن يدعى الوحي من البشر أن يهدد نفسه بمثل هذا التهديد.
4 – انقطاع الوحي لفترات مختلفة، كما في تحويل القبلة، إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوق شوقاً للتوجه في الصلاة الى البيت العتيق، وبقي على ذلك ستة عشرشهراً حتى أنزل الله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام}(57)، ومثله في سورة الكهف اذ سأل المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فوعدهم باخبارهم غداً، فتأخر الوحي خمس عشرة ليلة، حتى أرجف أهل مكة فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزل قوله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً الا أن يشاء الله}، وغير ذلك من النوازل التي من شأنها أن تحفزه على القول وتلح عليه أن يتكلم ولو كان الامر اليه لوجد له مقالاً ومجالاً ولكنه ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.