كتاب " فلسطين والفلسطينيون " ، تأليف د. عصام سخنيني ، والذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2003 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب فلسطين والفلسطينيون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

فلسطين والفلسطينيون
إن ما أردنا التوصل إليه من هذا العرض هو وجود مبررات كافية لأن تعرف أرض كنعان الجنوبية منذ أن استقر بها الفلستيون باسمهم· وهذه نراها في ثلاثة عوامل موضوعية تكاملت معا: الأول هو العامل الحضاري المتقدم، خاصة في جانبيه الاقتصادي والسياسي، الذي جعل الفلستيين في وضع التسيد الحضاري في المنطقة التي اتخذوها موطنا لهم، والثاني هو العامل العسكري الذي وفر لهم مكانة الغلبة على أرض كنعان الجنوبية، والعامل الأخير متصل بعملية التثاقف مع الكنعانيين التي دخلوا فيها وهي التي أدت في النهاية إلى ذوبان الطرفين في بوتقة واحدة إن كانت حملت اسم الفلستيين باعتبارهم الطرف الأقوى سياسيا وعسكريا فقد كانت مضامينها وتجلياتها الثقافية من أصول كنعانية واضحة· وهذا يقود إلى القول باطمئنان بأن أرض كنعان استمرت تحمل هويتها الكنعانية في المضمون وإن اتخذت الآن اسما جديدا استعارته من الفلستيين·
إن ما جعل هذا الأمر ممكنا أكثر أن السيادة الحضارية لهذه الهوية الجديدة (والتي يمكن أن نستبدل بها هنا تعبير الشعب) لم تتعرض خلال القرون القليلة الأولى التي تلت مقدم الفلستيين إلى أرض كنعان حوالي العام 0 9 1 1 ق· م· لأي منافسة جدية يمكن أن تنتهكها أو تنتقص منها· فمن جهة كانت مصر قد دخلت في مرحلة أفول سياسي بعد وفاة رعمسيس الثالث (2 8 2 1-0 5 1 1 ق·م·) الأمر الذي جنب بلستيا أي هجمات جديدة تأتيها من جهة الجنوب· كذلك لم تشهد المنطقة خلال قرون ثلاثة أعقبت قدوم الفلستيين إلى كنعان الجنوبية غزوا يأتيها من الشرق، خاصة من جانب الأشوريين· فخلال هذه الحقبة كانت آخر حملة عسكرية جاءت من وادي الرافدين باتجاه بلاد الشام عامة قد حدثت في زمن الملك الآشوري تغلات فلاصر الأول (4 1 1 1-6 7 0 1 ق·م·)، وهي على كل حال لم تصل إلى أرض كنعان الجنوبية (بلستيا)، وقد أعقب هذه الحملة حقبة كمون انتهت في عهد آشور ناصر بال الثاني (3 8 8 -9 5 8 ق·م) الذي ابتدأ مرحلة جديدة من مراحل التوسع الآشوري الذي شمل أجزاء من بلاد الشام، ثم أخذ في التطور في عهود خلفائه·
إن هذه القرون الثلاثة التي خلت من تدخلات أجنبية على نطاق واسع أتاحت الفرصة الذهبية للفلستيين لأن يثبتوا وجودهم في موطنهم الجديد، وأيضا ليحدث هذا التثاقف الحضاري بينهم وبين الكنعانيين سكان الأرض الأصليين ولتتأكد هذه الهوية الجديدة التي أشرنا إليها التي حملت اسم الفلستيين وكانت بمضامين كنعانية·
(5) البحث عن إسرائيل مزعومة
لكن ماذا عن الإسرائيليين الذين يُزعم أن مقدمهم الأول إلى أرض كنعان كان قد تزامن تقريبا مع مقدم الفلستيين إليها وأنهم شكلوا مملكة موحدة هي مملكة كل إسرائيل على أرض فلسطين جميعا (بالإضافة إلى توسعاتها الإمبراطورية في الخارج) وبذلك فرضوا سيادتهم على الأرض، وفرضوا اسمهم بالتالي عليها فعرفت بأرض إسرائيل؟ والتطورات التي يفترض ـ وفق المسرد التوراتي ـ أنها قد أدت إلى هذه النتيجة هي كما يلي مع ملاحظة أن التواريخ تقريبية وفيها أقوال أخرى: (1) خروج بني إسرائيل من مصر، بقيادة النبي موسى، في تاريخ يقع في زمن ما بين 0 6 2 1و0 4 2 1 ق·م· (2) اقتحام بني إسرائيل العسكري لأرض كنعان بقيادة يشوع بن نون، خليفة موسى، في تاريخ يقع بين 0 2 2 1 و 0 0 2 1 ق·م، واستيلاؤهم على مدن أرض كنعان، بعد تدميرها، وتوطنهم فيها· (3) عصر القضاة الذي ابتدأ منذ ذاك وعاش فيه بنو إسرائيل قبائل متفرقة تولى أمرهم في أثنائها قضاة منهم· (4) انتهى هذا العصر بظهور شاول الذي أسس مملكة موحدة لبني إسرائيل وقد حكم بين 0 3 0 1 و9 0 0 1 ق·م· وقد انتهت حياته انتحارا بعد هزيمته أمام الفلستيين· (5) مملكة داوود (9 0 0 1-9 6 9 ق·م) في حبرون (الخليل) أولا قبل أن يفتح أورشليم (القدس) ويتخذها عاصمة· (6) مملكة سليمان (9 6 9 -1 3 9 ) الذي أصبحت المملكة في عهده امبراطورية ضخمة امتدت من النيل إلى الفرات· (7) انقسام المملكة بعد سليمان إلى اثنتين واحدة في الشمال هي التي عرفت باسم مملكة إسرائيل (في السامرة)، وأخرى في الجنوب هي التي عرفت باسم يهوذا وعاصمتها أورشليم·
هذا هو التاريخ الذي تنسجه التوراة لبني إسرائيل في الحقبة التي تمتد من الخروج إلى نهاية حكم سليمان· والفلستيون في هذا التاريخ يقعون في عصر القضاة، فيملأون هذا العصر بحروبهم المتواصلة مع بني إسرائيل، وبعده في زمن شاول الذي يهزمه الفلستيون هزيمة منكرة تودي به إلى الانتحار، وينتهي أمرهم زمن داوود الذي تغلب عليهم وقهرهم·
وما تريد هذه الحكايات التوراتية أن تتوصل إليه هو أن بني إسرائيل نافسوا الفلستيين على السيادة على الأرض سياسيا وحضاريا وهزموهم في النهاية فاستحقت الأرض أن تعرف باسمهم، ليس فقط بسبب تغلبهم على الفلسستيين، بل أكثر من ذلك بسبب قدومهم المبكر إلى هذه الأرض الذي سبق قدوم الفلستيين إليها· بل هي تريد الذهاب إلى أبعد من هذا فتزعم أن صلة بني إسرائيل بالأرض تعود إلى أقدم من مرحلة الصراع هذه فهم قد ارتبطوا بها منذ عصر الآباء (إبراهيم ومن بعده) وكان قدومهم هذه المرة بمثابة عودة إليها بعد إقامتهم المؤقتة في مصر·