You are here

قراءة كتاب عقود التبرع الواردة على الملكية العقارية - الجزء الأول

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عقود التبرع الواردة على الملكية العقارية - الجزء الأول

عقود التبرع الواردة على الملكية العقارية - الجزء الأول

كتاب " عقود التبرع الواردة على الملكية العقارية - الجزء الأول " ، تأليف خير الدين فنطازي ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 1

المقـدمة

لقد عرفت الحضارات القديمة الوقف كنظام أو نوع من المعاملات في الأموال عموما، من خلال عدم قابلية التصرف في الرقبة، مع إمكانية الانتفاع بها لجهة معلومة ومقصودة، وإن كانت له تسميات مختلفة، وأنماط جعلته يختلف عن نظام الوقف الإسلامي التعبدي، فلقد كان قدماء المصريين يوقفون أموالهم ويحبسون أراضيهم الواسعة قربة للآلهة، ووقفوا البناءات الضخمة للمعابد لإقامة شعائرهم الدينية، وذلك على عهد الأسرة الرابعة، حسب ما رصده المؤرخون ولعل ما وقفه رمسيس الثاني لمعبد ''إبيروس'' لدليل على ذلك لتكون بذلك هذه الحقبة بداية لظهور هذا النوع من المعاملات في الأموال المتمثلة في خاصية عدم قابلية التصرف في الأموال الوقفية، كما أن الوقف آنذاك كان مصدر رزق للقبيلة والعشيرة تنتفع به، لينتقل حق الانتفاع بعد ذلك إلى أولادهم وأعقابهم، دون أن يكون لهم حق التصرف، وكان يثبت هذا الشرط بعقود وطقوس معينة، يوقف فيها الواقف بعض أملاكه إلى ابنه الأكبر، على أن يعود بالربع على الإخوة الأصاغر.
غير أنه بتطور الحضارات تطورت نظرة الفرد للوقف بتطور وسائل الحياة فمن خلال الحضارة الرومانية، عرف الوقف مفهوما وطرق تسيير غير تلك التي سادت في حضارة الفراعنة، إذ أنهم حاولوا تطوير هذا النوع من المعاملات والاجتهاد والتفنن فيه بشكل خاص، فقد كان أعيان الرومان يوقفون أملاكهم على عشائرهم وأسرهم، فكان يرهن حق الانتفاع بالوقف، للذكور والإناث المعينين من الواقف دون قيد، زيادة على حرية هذا الأخير في تحديد مدة للانتفاع بالوقف، أو جعله مطلقا، فمشروعية الوقف إذن عند الرومان أنه يقوم على حق الانتفاع فقط دون حق الرقبة، مع تحريم التصرف في الوقف بالبيع أو الهبة أو التنازل عنه من قبل المنتفعين به.
وبالإضافة إلى هذا النوع من الوقف، فقد عرف الرومان أيضا النوع الثاني منه، وهو النوع الشائع عندهم والمتمثل في وقف الأملاك على كنائسهم ومعابدهم.
وهكذا ليكون نظام الوقف الذي كان ساريا عند الرومان يختلف عن ذلك الذي استعملته الشعوب القديمة خاصة في الجاهلية، حيث كان الوقف مقصورا على الذكور فقط دون الإناث لتكون إدارة الأملاك الوقفية للأرشد من أولاد الواقف تفاخرا مهم بذلك.
وبمجيء الإسلام تم الإقرار للوقف الصبغة التعبدية المشروعة، وأصبح نظاما قائما بذاته، ووضعت أحكامه المنضبطة والدقيقة في إطار الشرعية الإسلامية القائمة بالدرجة الأولى على العدالة الاجتماعية، واستمد الوقف بذلك مشروعيته من أفعال قولية وعملية من الكتاب والسنة وعمل الصحابة والتابعين.
حيث ورد في سورة البقرة الآية (266): ''... يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم، ومما أخرجنا لكم من الأرض ...''.
وقال تعالى: ''... وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ...'' سورة الحج الآية(75).
ولقد أجمع الفقهاء أن السنة النبوية أقرت فعلا الأحكام التنظيمية المشروعة للوقف حيث قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): ''إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له''. وقد أجمع الفقهاء على أن الصدقة الجارية هي الوقف، ولقد كان وقف عمر مائة سهم من خيبر أول وقف في الإسلام على المشهور، وقال جابر رضي الله عنه: '' ما بقي أحد من أصحاب رسول الله له مقدرة إلا وقف''، وقال النووي عن الوقف: ''هو مما اختص به المسلمون''.
ويلاحظ أن القليل من أحكام الوقف ثابت بالسنة، ومعظم أحكامه ثابت باجتهاد الفقهاء بالاعتماد على الاستحسان والاستصلاح والعرف.
لذلك اختلف الفقهاء وأصحاب المذاهب حول الوقف من حيث مشروعيته وأركانه وبعض الأحكام التنظيمية له، وكل ذلك في سبيل بلوغ أسمى خلق في المعاملات ودون أن ننسى بأن الاستحسان والاستصلاح أمران بهما من المرونة في الفهم والتطبيق ما كان سببا في خلاف الأئمة منذ القدم، وما زاد الاختلاف شدة الاعتماد على العرف وهذه البلاد الإسلامية على شساعة أرضها تعج بالأعراف المتباينة فتباينت معها الفتاوى والآراء الفقهية، وكل ذلك في مصلحة العباد.
ولكن إذا كان الحال كذلك، فإنه باعتماد المشرع الجزائري أحكام الشريعة الإسلامية في حل ما لا نص فيه، يجعل المنظومة الوقفية في ظل هذا الموقف المبهم متذبذبة في أحكامها بين مذهب وآخر مما يجعل من الوقف في الجزائر نظاما فريدا من نوعه يدفع بالمهتمين والباحثين إلى البحث والسعي وراء معرفة وضعية الأملاك الوقفية في الجزائر، فهل هو نظام يفي بالغرض المنوط بالوقف، أم أنه مزيج من المواقف والآراء المذهبية.
ذلك أن الوقف كما هو معروف، ليس حكما شرعيا بالأولية، بل هو اختيار الواقف المكلف، ثم إنه ليس حقا للناس عليه، أو أنه لا ينطبق عليه تعريف الحق.
لذلك اختلف الفقهاء حول طبيعة الوقف وفي مآلاته، وباستطلاع الآراء الفقهية المختلفة والمتضاربة، يجدر بنا طرح التساؤل حول طبيعة الوقف في نظر المشرع الجزائري، هل هو حبس للعين أم حبس للمنفعة؟
وهو الأمر الذي يتوقف عليه التعامل مع الأملاك الوقفية، ويرسم مصيرها بوضوح خاصة حول ما يتفرع عن هذا الإشكال من تساؤلات، تنتج عنه بالطبيعة، ذلك أن الوقف يحتاج في تحديد طبيعته إلى توضيح العقبات التي يواجهها بالأخص تلك التي تتعلق بمسألة التبيد في الوقف، فهل هو مؤبد أم مؤقت، ومدى جواز الرجوع عنه من طرف الواقف، وإلى بيان الأركان التي يقوم عليها هذا النوع من الأملاك، وشروط نفاذها، لأن الوقف كنظام حالي لم يأت جملة وإنما تمخضت تفاصيله عن تدرج وتطور تاريخي وتشريعي مهمين تجدر بنا إجلاء معالمهما من خلال هذا البحث المتواضع، ساعين قدر الجهد تناول هذا الموضوع الشائك بالتحليل والتعمق فيه أكثر من جهة نظر المشرع الجزائري وموقفه الرسمي من نظام الوقف بكل ما يطرح من تساؤلات مع ما يكتنف هذا الموضوع من عقبات تغذيها ندرة المراجع في هذا المجال من دراسات متخصصة أو كتب في هذا المجال بالذات، مع ما واجهناه من صعوبات في جمع المعلومة أو المادة العلمية، والاحتكاك بجميع المستويات التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذا النوع من الأملاك في الجزائر محاولين رصد الأفكار سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الإدارات، وهو الأمر الذي يحدد الجانب العملي من البحث والذي يمس الإطار التنظيمي والتسيير الإداري للأملاك الوقفية، لتوضيح كيف تسير إدارة الأوقاف في الجزائر وما نوع النمط الإداري الذي اعتمدته الجزائر في التسيير؟ وهل توجد رقابة على تسيير هذه الأملاك، أم أن الأمر مجرد سد لاحتياجات عامة فحسب يتطلبها صنفا من أصناف الملكية العقارية في الجزائر قائما بذاته كالوقف؟ وما هي أهم أساليب استغلال واستثمار وتنمية الوقف في الجزائر. لذلك فإن مهمتنا في هذا البحث، هي محاولة الوصول إلى معرفة القواعد العامة والمحاور الرئيسية التي انتظمت من خلالها عملية التكوين القانوني والتاريخي لنظام الوقف في الجزائر، مع بيان أهم الإشكاليات التي عاناها، وذلك بهدف استخلاص الدرس من التجربة الجزائرية في هذا المجال والسعي إلى تجديد حيوية الوقف المعاصر، وتفعيل ما يمكن تفعيله من مكوناته الموروثة على النحو الذي يخدم نهضته وتقدمه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أننا نقصد بنظام الوقف في التشريع الجزائري، كل التجربة التي حملها المشرع الجزائري من تطبيقات عميلة وممارسات اجتماعية إيجابية وسلبية، واجتهادات فقهية وفتاوى شرعية وأحكام قضائية وأبنية مؤسسة وممتلكات وأموال موقوفة وأنظمة إدارية وتشريعات قانونية وتقاليد وظيفية شكلت في مجملها الإرث التشريعي والتاريخي لنظام الوقف في الجزائر.

Pages