You are here

قراءة كتاب غاردينيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
غاردينيا

غاردينيا

مملكة غاردينا وجدت ولم تزل في دنيانا المعاصرة. وهي نموذج واقعي يحاكي كثيراً من أنظمة ودول العالم الثالث.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
فُــجع الشيخُ بالحادثة، وآثر أن يُبقي الموضوع في صدره حتى يتدبر الأمر. وخوفاً من الفضيحة التي قد تلحقُ به إذا نفّذ الغزاة تهديدهم باغتصابها، بعث الشيخ برسالة إلى الغزاة يطلب فيها مهلة كافية كي يجمع الفدية. وبعث برسائل إلى معارفه ومُريديه وأسياد القبائل المجاورة، وإلى بعض الأوروبيين الذين تربطهم بالشيخ علاقة وطيدة:
 
"...أيها السادة...العزوة والأصدقاء...لقد تعرضت بلدة جبل الشيخة لغزواتٍ من بعض الجياع المتمردين...وفي آخر غزوةٍ لهم قاموا بخطف أختي الصغرى وطلبوا فدية باهظة لقاء الإفراج عنها...ولو قُــدّر لي أن أطلب من كل واحدٍ من أهل الغرابة الغربية أن يتبرع بما لديه من مالٍ وقمحٍ مجروشٍ ولبن...ما استطعت أن أجمع عُـشر ما طلبه الغزاة من فدية...وإنني أشعر، ولا أحسبكم تظنون خلاف ما أشعر، أن مطلب الغزاة ليس باهظاً فحسب، بل غير معقول أبداً، إذ إننا اعتدنا في الغرّابة أن نفدي...وافتدينا في الماضي في حالات عديدة...إلا أن هذه الحالة تختلف عن سابقاتها بانفرادها بالكم والنوع!... إنني أستنهض همم إخواني وعزوتي وأصدقائي أن لا يبخلوا بما لديهم حتى تنفك هذه المحنة...".
 
ولم يذكر الشيخ قيمة الفدية لأنه لم يُرد أن تكون القيمة المطلوبة سابقة يقتدي بها الغزاة في المستقبل، وأحبَّ أن يترك موضوع المساهمة للمتبرعين، دَرْءاً للحرج.
 
في تلك الأيام، كانت للغرابة الغربية بزعامة الشيخ علاقة حميمة مع زعيم " قبائل الزولو" (3)، سينزانغاخونا الملقب بـ " الحكيم "(4) . وقد اعتاد الشيخُ على تبادل الزيارات والهدايا مع الحكيم وإخوته من أمراء الزولو. وكانوا من طرفهم يرسلون الهدايا والمساعدات الغذائية والأموال بين الحين والآخر كي يعينوا الشيخ على قضاء بعض حاجاته الملحة. ففي سنة الجراد الحالق بعث الشيخ إلى الحكيم طالباً المساعدة في تأمين بعض الغذاء إلى الغرابة الغربية، فاستجاب الحكيم للطلب وأرسل قوافل عديدة محملة بالحيوانات الحية والثمار من الجنوب الأفريقي. ولسوء طالع المكاسير، ومن معهم، لم تصل القوافل إليها، لأن السعدان قطعوا الطريق واستولوا عليها بالكامل، ما زاد من وطأة المجاعة التي حدثت في تلك السنة. ورغم ما حدث، فقد كان إرسال الحكيم إياها في نظر الشيخ عملاً عظيماً يستحق الثناء والتقدير. وكان الشيخُ يُعبرعن شكره للزعيم الكريم بإرسال الجواري الحسان هدية له. وعندما اختطفت سلمى، بعث الشيخ برسالة خاصة إلى الحكيم يطلب منه المساعدة في فك المحنة.
 
تواردت بعد ما يزيد قليلاً عن ثلاثة أسابيع أجوبة على طلب الشيخ، وبدأ ديوانه في جبل الشيخة بتلقي المساهمات والمساعدات من أسياد القبائل المجاورة. وقد استجاب الحكيم بإرسال عشر قوافل محملة بالعاج وجلود الحيوانات البرية وريش النعام والحيوانات الحية، ومائة أوقية من الذهب الأفريقي علّـها تعين الشيخ في فك أسر أخته التي علم الحكيمُ بجمالها وذكائها. أما الأصدقاء الأوروبيون فلم يصل منهم شيء، لأن المكاتبات من وإلى الشيخ كانت تستغرق مدة طويلة. وبعد أكثر من شهر زعَمَ هؤلاء الأصدقاء أن مطلب الشيخ وصل متأخراً، وأن أحوال الطقس الرديئة قد حالت دون إرسال المساعدة المطلوبة.
 
وقد جمع الشيخ شيئا كثيراً، لكن ما جمعه كان أقل مما حدده الخاطفون. واقترب موعد تنفيذ التهديد الذي عينوه في رسالتهم للشيخ، فحاول الشيخ وأعوانه أن يكملوا الفدية بالسجاد والجلود والصوف، أو أشياء أخرى لها قيمة عند أهل الصحراء، لكن الغزاة لم يقبلوا، ونفذوا تهديدهم في آخر ليلةٍ حسب الموعد المحدد. فوجدت جثتها بعد خمسة أيام من انتهاء المهلة على حدود بلدة جبل الشيخة، وكانت مشوهة من الغربان والطيور الجارحة التي اقتاتت عليها طيلة هذه المدة، ولم يتعرفوا عليها إلا من الحجة المثبتة تحت إبطها الأيسر. وتبين بعد عدة سنوات أن شيخاً من قبيلة السعدان اعترف، قبل موته، بضلوعه بتلك الجريمة النكراء.
 
لاحظ الجالسون في الخيمة سوء الحال الصحية للشيخ، وحاولوا مواساته ببعض الأحاديث الجانبية عن أيام الانتصارات والغزوات كي يلطفوا من الكرب الذي يعشعش في داخله، وأعلموه عن هزيمة نابليون في معركة واترلو (5) لعل ذلك يُنعش آماله بتأسيس دولة على غرار الجمهورية الفرنسية الأولى، لكن الشيخ بقي واجماً وبأفكاره سارحاً، سوى في حالات قليلة نبَسَت شفتاه ببعض الكلمات:

Pages