You are here

قراءة كتاب شعبة الزيتون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شعبة الزيتون

شعبة الزيتون

كتاب " شعبة الزيتون " ، تأليف أبو العباس برحايل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

وتشجع الخزناجي بدوره، وسأل رئيس الدائرة في سخرية:
ــــــ سيدي الرئيس... ترى..... أين صهرك الوزير الذي كنت دوماً تفاخر به وتدعي أنه سيرقيك والياً في أول حركة، وقد تمت الحركة منذ أيام، وها نحن نراك معنا في القفص ذاته؟.. ثم تدعي أن لحستك أقل من لحسات وكيل الجمهورية. مع أنك نهبت العقار ووزعت السكنات الاجتماعية التي كانت من حصتك بالرشوة، وما تمّت مناقصة مشروع من المشروعات إلا وأخذت نصيباً موفوراً قبل أن ترسو الصفقة على أي مقاول كان... ولقد صرت أنت ذاتك مقاولاً من الباطن، لكن دون أن تضطر لدفع الضرائب على مداخيلك الأسطورية.
واكتسحت القاعة موجة جارفة من اللغط والاضطراب، فيما رن جرس الهاتف الداخلي وامتدت يد الرئيس إلى السماعة، كان صوت الحاجب يجلجل مرعوبا: ".. سيارة رسمية تخترق الباب إلى ساحة الدائرة، وسائق السيارة يعلن بجفاء:
".. السيد المفتش العام.. ".
ترك رئيس الدائرة سماعة الهاتف تسقط من يده من هول المباغتة وهو يحشرج في ذهول عميق مردداً العبارة بلا وعي مضاعف، وهو يرنو إلى الجمع الذي انقطع صخبه فجأة، وبدا كأن الجميع وقع على رأسهم الطير:
- السيد المفتش العام وصل....
وردد الجميع كالجوقة بصوت واحد ونفَس واحد.
ــــــ المفتش العام؟... يا لَلكارثة!..
وتسمرت الشاشة على صورة المفتش وهو يقتحم السلّم بمحفظته السميكة السمينة، وقد انطلقت أغنية نهاية المسلسل وهي تتوعد المفسدين في الأرض، وكأنه نفخ إسرافيل في الصور يقول للأرض: زلزلي زلزالك، وأخرجي أثقالك.
تحاملت أنت يا علجية متوكئة على كل ما تقع عليه يدك.. أردت أن تتوجهي إلى غرفتك التي خصّوك بها حيث كيس الدواء، وقد حان موعد تناول الأقراص والجرعات المريرة.
وتساءلت العجوز زهور بغنّتها العلكية المعهودة دون أن تتحرك من مكانها، وكأنها غدت جزءاً من ديكوره:
ــــــ إلى أين يا علجية؟...
هي تعلم فلمَ تسأل؟... "واكتفيت أنت بأن همست في أنة موجعة كالذبحة، ضاعفها ما رأيت من سلوك زوجك المعربد المشين مع هذه الصبية الوقحة":
ــــــ الدواء.....
فيما ركضت زهية إلى المطبخ. وتناسى علاوة أنك ضبطته يمدد شفتيه إلى زهية كالحصان، أو أراد أن ينسيك الموقف المخزي، فراح يتمسح إليك، ماداً يد المساعدة ليقودك إلى الغرفة.. ساعدك في الجلوس على حافة السرير، وطفق يعرض الأدوية من الكيس. وإذ شعرت بدوار ثقيل استلقيت على السرير طيّعة.. مغمضة العينين.. ويدك على قلبك يجس نبضاته وخفقاته المضطربة. واستبد شعور لا يقهر، بأن هذا القلب يريد أن يتوقف كلياً عن الخفقان، وسعى علاوة إلى المطبخ ليأتي بكوب الماء لتتجرعي به الأقراص اللعينة... وترامت إلى سمعك من المطبخ صيحات مهموسة وهمهمات مكتومة، مختلطة برشيش الماء المنبعث من الحنفية في الكوب الذي لا بد أن يكون قد أهمل، وترك الماء يفيض... تلا ذلك حشرجات أنفاس وحركات أجسام يرتطم بعضها ببعض... ولم تطيقي صبراً... يموت المرء مرة واحدة خيراً من أن يموت ألف مرة ومرة..
تحاملت يا تعيسة من جديد، ونهضت بكل قواك، وتغشاك دوار أظلمت له عيناك، ركنت إلى الأرض، فانزاحت الغشاوة قليلاً، فزحفت نحو المطبخ زحفاً كما يحبو الولْدان في عامهم الأول.. ويا لهول ما رأت عيناك الزائغتان!.. يا للَكارثة!... زهية منبطحة على طاولة المطبخ التي تعلوها قشور الخضار من كل نوع... فخذاها الحمراوان العاريان منفرجان وقد التفّت ساقاها بإليتي علاوة، الذي علاها جاثماً على صدرها الكاعب يحتضنها بهمجية، وقد أطبق فمه على فمها بشراهة. حاولت أن تصرخي، لكن الصرخة اختفت في حلْقك وقد غص بها الحلق.. مادت بك الأرض... ترنح كل شيء أمامك وتهاوى.. الذبحة تقطع كل عِرق في حلقك.. يأبى الحلْق ابتلاعها، يجف حلْقك، وتجف الصرخة فيه كالمنشار... غمغمات مبهمة... نحيب يعلو فيما يبدو.. المفتش وصل... المفتش يقطع العروق الدامية. حلْقك المختنق يتيبّس ويتجفف... لا ماء.. لاهواء.. ذهب الألم المبرّح مع ذلك. هذه يد تدعك فوق قلبك بقوة، فوق نهدك الضامر قبل الأوان، ماذا؟.. بعض بلل في حلْقك.. يعود الألم.. لا، لا جدوى، بل الرفيق الأعلى.... علجية، أنت الآن تموتين غريبة.. بعيدة عن أمك في الشعبة؛ أمك هي الإنسان الوحيد على الأرض الذي يحبك بلا حساب للربح والخسارة.. يا ليتك صارحتها بهواجسك... لا بد أنها لم تفهم دموعك الغزار، وأنت تودعينها هناك في الشعبة.. أماه.. يا أماه!.. هرج ومرج حولك.. ما الفائدة؟.. أيدٍ تمتد إليك وتحملك في حذر.. هي أيد تغتالك وتمشي في جنازتك. لا تستطيعين حتى مجرد الصراخ في وجوههم الصفيقة.. أبداً لن تغفري لهم خطيئاتهم.. المستشفى؟.. ما الجدوى من حياة هي والعدم سواء... صوت بوق سيارة الإسعاف كالنعي، بل هو النعي نفسه.. أماه.. آه.... تشهّدي يا علجية إن استطعت... رددي: أشهد أن لا إله إلا الله... المفتش.. أشهد... أشهد... إن المفتش العام يصل... علاوة يعلو زهية كالحصان ينزو على فرس... هو الموت الزؤام.. أشهد أن لا إله إلا الله... الله... الله.. الله..
وتسود عتمة الظلام عينيك الشاخصتين إلى السماء كالعدم.... وتصعد روحك إلى بارئها في سلام وطمأنينة وقد تخلصت من كل الآلام.
***

Pages