You are here

قراءة كتاب جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

كتاب " جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

التفكيك الجينيالوجيا، المقولة، والمصطلح

وليد عثماني (1)

توطئة

تعد التفكيكية من أهم مداخل نظريات النقد المعاصر، حيث ظهرت كتيار نقدي جديد عرف بما بعد الحداثة اكتسح الساحة الفكرية والنقدية الأدبية معا. فأحدث ثورة على مستوى القيم الأدبية التي كانت سائدة آنذاك. وأقامت صرحا جديدا للوقوف على الدعائم الراسخة في الفكر الإنساني لتخلخل نسقيتها، ومن ثمة تفكك ما هو موجود وقار كمركز لا يجوز بأي حال خلخلته أو مسّ بنيته التحتية؛ باعتباره مقدسا اكتسب قدسيته بأقدميته. فكانت بداية هذه الاستراتيجية إثر أحداث مايو 1968 التي جرت في فرنسا قصد تغيير مسار النقد. إذ أوقفت اكتساح المد البنيوي؛بخروج طلبة الجامعة الفرنسية، مطالبين فيها بإسـقاط البنيوية. «لقد كان لأحداث أيار عام 1968 في فرنسا الأثر الحاسم في وقف المد البنيوي، ومضاعفة النقد، وبدء ثورة السيميولوجيا» (2) ومن ثمة توقفت هيمنتها بعد سيطرة دامت آونة ليست بالهينة تحققت من خلالها مراتب متعددة للنقد. كما تحددت وجهات رسمت مسار النقد؛ وذلك بخروجه من الإطار المتعدد السياقات الخارجية التي تنظر إلى النص وفق نظرة فوقية ومن البنية السطحية له.

وبعد هذه الثورة بدأت تتبلور فكرة منهج جديد يهتم بالعلامة بعد أن بشر به فرديناند دو سوسير (Ferdinand de Saussure) في بادئ الأمر من خلال محاضراته في الألسنية العامة ثم تطور هذا الدرس العلاماتي مع بيرس (Charles Sanders Peirce) فيما بعد وحمل تسمية (semiotics) .

وبالعودة إلى جهود دو سوسير نجده: «يذهب فعلا إلى التمييز بين نظامين متباينين من أنظمة الدلائل وهما اللغة والكتابة» (3) ومن خلال قضية الدليل نجده يقصي الكتابة، ويحط من قدرها، ويقيم صرحا دلائليا للغة المنطوقة على حساب المكتوبة؛ إذ حط من مكانتها وجعلها في مرتبة ثانوية أمام الكلام «ويتجلى ذلك في معالجة دو سوسير لموضوع الكتابة التي يعطيها مكانة ثانوية بالمقارنة مع الكلام، ويجعلها تستمد هذه المكانة من غيرها، فهدف التحليل اللغوي عنده ليس الأشكال المكتوبة، بل الأشكال المنطوقة فقط، أما الكتابة ما هي إلا وسيلة لتمثيل الكلام؛ وسيلة تقنية واسطة خارجية ولهذا فلا حاجة لأخذها بنظر الاعتبار عند دراسة اللغة» (4) وبهذا نجد دو سوسير يُحَجِّر الكتابة ويجعلها تابعة للكلام "وقمع الكتابة يكمن في المنهج الذي اقترحه دو سوسير، ويتجلى ذلك في رفضه النظر، أو دراسة أي شكل من أشكال التدوين اللغوي خارج الكتابة الأبجدية الصوتية للثقافة الغربية" (5).

من خلال هذا الطرح يتضح أن دو سوسير في تأصيله للدرس الألسني يستبعد كل الاستبعاد الجانب المكتوب من اللغة، ويحط من قدره. وحينها ما كان لصرح الألسنية أن يعلو ويرتفع لولا تأسيس دو سوسير درسه اللساني على النطق «إن الغرض الألسني لا يتحدد بتنسيق الترابط بين الكلمة المكتوبة والأخرى المنطوقة، وهذه الأخيرة تشكل وحدها هذا الغرض» (6). ومن خلال ما سبق ذكره يمكن طرح مجموعة من الأسئلة التي تتدافع بقوة مستفسرة عن سبب استبعاد الكتابة؟ وما دور الكتابة إذا كانت لا تساوي شيئا أمام الكلام؟ وما هي دوافع دو سوسير إلى إقصاء الكتابة؟

قام جاك دريدا (Jacques Derrida) بنقد كل من قال بقمع الكتابة على حساب الصوت باسم التمركز حول الصوت (phonocentrism) «إذ لاحظ أن الميتافيزيقا الغربية تمنح الكلام أفضلية على الكتابة فهي تعطي امتيازا خاصا للكلمة المنطوقة لأنها تجسد حضور المتكلم وقتصدور القول» (7). وبذلك مَنَحَ الفلاسفة منذ أفلاطون ودو سوسير وروسو وليفي شتراوس أولوية للكلام على حساب الكتابة، وأقاموا له صروحا من الدلائلية القوية، وجعلوا الكتابة مادة غريبة عن الكلام وقاتلة للدلالة. فما كان على جاك دريدا إلا أن قام بمناقشة هؤلاء الفلاسفة، محاولة منه للخروج من هذا المأزق المعرفي، ويوجه نقدا لاذعا لكل من ركز سلطة للصوت على حساب الكتابة. وكان على رأسهم دو سوسير الذي ثَّبَتَ الصوت كبنية قارة تمحورت حولها الدراسة اللسانية.

فقد لاحظ جاك دريدا أثناء تفكيكه لنصوص دو سوسير تمركزا تَمثل في إعلاء شأن الكلام على حساب الكتابة، وهي الفرصة التي ساهم فيها جاك دريدا بتفكيكاته ضمن مقولة التمركز حول الصوت (phonocentrism) هو كون الصوت مركز الثقافة الغربية منذ الأناجيل وتوصلمن خلال هذه الآلية إلى أن «سوسير قد اضطر مثل من سبقوه إلى النزول بالكتابة إلى مرتبة الشك، أو إن شئت فقل النزول بالكتابة إلى مرتبة ثانوية» (8) ومن خلال قراءة دريدا التفكيكية تبين أن هناك تسلطاً، وممارسة تمثلت في خصاء الكتابة، والحط من قدرها حيث أثبت:

1. «أن دو سوسير في نظريته عن علم اللغة إنما يحط من قدر الكتابة ويقلل من منزلتها بصورة منظمة.

2. أن هذه الإستراتيجية التي يتبعها سوسير إنما تلاقي وعلى غير توقع تلك التناقضات المكتوبة المتطورة.

3. أن المرء عندما يسير وراء مثل هذه التناقضات فإنه يترك مجال علم اللغة إلى مجال علم القواعد أو إن شئت فقل علم الكتابة وفنية النص بصورة عامة» (9).

وبهذا يكون جاك دريدا قد أخضع نصوص دو سوسير إلى التفكيك كما أخضع نصوص سابقيه مثل أفلاطون. وكشف التناقض الحادث في ذلك الفكر، ووقف على جملة التمركزات حول الصوت وذلك بإعطائه أولوية للصوت على حساب الكتابة.

وعليه فالتفكيكية إستراتيجية في قراءة النصوص ظهرت في نهاية الستينيات، وأخذت تتبلور وتنشأ كبديل عن الطرح البنيوي؛ حيث أخذت تتبلور أفكارها الأولى على أنقاض المنهج البنيوي إلا أنها لم تكتمل أصولها بعد. ولعل مرد ذلك إلى كون المنظرين للتفكيك هم رواد البنيوية. وعلى رأسهم رولان بارت (Roland Barthes) وجاك دريدا حيث كانت دعوة التفكيكية كاستراتيجية نقدية، لنقض وتقويض النصوص. معتمدة في دعواها على جملة من المبادئ أهمها:

1. عدم قصدية المؤلف في المعنى. وهذا ما يفتح الباب أكثر لتعدد القراءات، أو ما يسمى بلانهائية الدلالة، فاسحا المجال أمام التأويل، والهدم وإعادة البناء.

2. كما اعتمد أيضا على نسف الحدود القائمة بين النصوص، أو ما يعرف بالبينصية (Intertextualité) .

3. التشكيك في القيم والثوابت؛ إذ زعزعت النصوص بالشك ورفضت التقاليد والقراءات المعتمدة.

ومما لا شك فيه أن لكل منهج، أو نظرية أو إستراتيجية منطلقات ومسارات إبستيمولوجية معرفية حتى تتمكن من الوصول إلى الأهداف والغايات. وهذا ما اعترى التفكيك لكونه إستراتيجية ترعرعت في تربة غربية وهي أمريكا.

وبالتالي فللتفكيك سياق معرفي ومسار إبستيمولوجي يتحدد من خلال نقاط أربع:

1 أولاها: كون التفكيك اعتمد على نقده للبنيوية نتيجة فشلها الذريع في استيعاب جميع النصوص، ومن ثمة الضعف في تحقيق الممارسة المطلوبة، وكذا النفاذ إلى جميع التشكيلات النصية.

1 ثانيها: اعتماد التفكيك على الشك واليقين المساهمة في محاورة النص وكشف أغواره.

1 ثالثها: كون التفكيك تزامن مع نظرية التلقي فقد أثر كلاهما في الآخر؛ بحيث تلاقحا معرفيا، وتقاربا من حيث الاعتمادُ المطلقُ على القارئ/المتلقي بعده الرائد في صنع المعنى.

1 رابعها: انطلق التفكيك من الإقليم الفرنسي ليترعرع في إقليم آخر ـ أمريكي ـ نتيجة تناقضه كاستراتيجية تشكيكية، مقوضة، ثائرة على قيم تتنافى والمزاج الثقافي الفرنسي، ومن ثم كانت الانطلاقة الأولى لهذه الإستراتيجية، وأخذت في السير قدما نحو الأمام.

Pages