ما هي هذه المواطنية التي لم نُنجزها بعد في وطننا؟ وإلى أي حد يساهم طغيان مظاهر التبعية السياسية - الدينية والفروقات الاجتماعية في أكثرية الميادين في تربية مواطني المستقبل وطرائق تنشئتهم على القيم الاجتماعية المشتركة؟
قراءة كتاب وطن بلا مواطنين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
التربية على المواطنية في مهب العوامل الاجتماعية
ليس دور المدرسة إلا جزئياً ومنقوصاً في حقل التربية على المواطنية. فالكثير من مفاهيم المواطنية مكتسبة بطرق شتى عبر التربية الأسرية وخلفياتها الثقافية والاجتماعية، أو عبر التأثير الإعلامي وتناقل المعرفة وحركتها على أكثر من صعيد. ولكلً من هذه العوامل تأثيرٌ في رسم معالم شخصية الإنسان، وتحديد توجهاته وخياراته (فريحة، 1997).
ينطلق الإنسان من خلفيات أسرته الثقافية والاجتماعية ووقائعها اليومية إزاء كل ما يواجهها من أحداث. فتكون هذه الخلفيات بمثابة النظرة الأولى التي يكونها الفرد عن المجتمع. كثيرٌ من الأسر تتسم بعقلية ونظرة متميزة - بانغلاقها أو انفتاحها - وعاداتٍ تطبع طريقة عيش أبنائها ورؤيتهم للمجتمع والعالم. من هذه النواة الأولى، يحمل الفرد الخصائص الوراثية والمكتسبة عن أهله وأبويه، ومجموع المؤثرات التي تشكل العامل الأول في انخراطه بالمجتمع. فتتلاقى هذه الخلفيات الأسرية مع عوامل متنوعة تؤثر في الإنسان ويتأثر فيها وينتج عن هذا التلاقي صراعٌ بين كل هذه العوامل والخلفيات. قد تذوب بعض العوامل والخلفيات لتبرز أخرى أو تتفاعل في ما بينها لتؤدي إلى استنباط أبعاد جديدة، ينمحي بعضها ويبقى بعضها الآخر (ليفي - شتراوس، 1961؛ عبو، 2000).
في خضم هذه العوامل والمؤثرات التي ترافق أو تتلو مرحلة الانطباع بالخلفيات العائلية، لا بد من الإشارة إلى دور أجهزة الإعلام - من زاوية خلفياتها الطائفية على سبيل المثال - في تكوين وجهات النظر والتأثير على تصرفات المواطنين وعلاقاتهم ببعضهم وبالدولة. إن الإعلام لا يستأذننا ليغسل عقلنا، ويستبدل ذاكرتنا بأخرى ويرسم معالم ثقافتنا ويعدل ملامحنا... وقد يعيد كتابة التاريخ، ابتداءً من أي يوم. وقد يُعيد رسم الصورة، أكثر أو أقل قتامةً، ويفتح الباب أو يغلقه، بالمعايير التي يلتقي عليها، كل من لا يشاطرنا الرأي.
كما أن للجمعيات الكشفية والرياضية والاجتماعية والثقافية والدينية دور في صياغة رأي عام مناهض لحالة ما أو مؤيد لحالة أخرى.
وكل هذه العوامل، توظف حيزاً لها، تعمل فيه وتنطلق لحيزٍ آخر في ما بعد، وسط تنافسٍ شديد. والمواطن في مهب كل هذه العوامل، يتلقى تأثيراتها، بمقادير مختلفة فلا نستطيع تحديد كل منها ولا التكهن بمقدار مساهمته. فكم من خيار، أو تصرف دفعتنا إليه تربيتنا المدرسية، أو بيئتنا الأسرية أو وسيلة إعلامية، أو علاقتنا بأحد ما التقيناه في جمعية أو نادٍ أو مؤسسة أو معبد؟ إذا كان الجواب أن خيارنا أو تصرفنا حصيلة تفكيرنا وإدراكنا، فلأي مدى يتطور ويكتمل التفكير والإدراك بمعزل عن التربية المدرسية والبيئة الأسرية وتأثير الإعلام والاختلاط ضمن الجمعيات والمؤسسات والنوادي والمعابد...؟