كتاب " سلطانات الرمل " ، تأليف لينا هويان الحسن ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب سلطانات الرمل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الجــــــــــــزء الأول
«حمــــــــــــــــــرا الموت»
«كان أحمد ذا قدرة جبارة. ويُعدُّ عملاقاً ـ إذ يبلغ طوله ستة أقدام، وسيماً وشجاعاً ونادر المثال وكنا نسمع عنه الأحاديث التي تصفه بالاتزان بين البدو وتقول : «آه» عليك أن تري أحمد الموالي.. مظهره وحده يجعل ثلاثين شخصاً يفرُّون من أمامه، كان عمود رمحه بطول ستة عشر قدماً وفي جسمه آثار لجروح قديمة متعددة»..
* الليدي ـ آن بلنت/ في كتابها «قبائل بدو الفرات»
«تزامنت فترة ازدهار مملكة الموالي مع الحقبة التي أغلق البرتغاليون فيها البحر الأحمر، فصار على تجارة الهند أن تبحث لنفسها عن طريق بري يقود إلى الغرب، وما لبث أن وجدته في عانة، النقطة المركزية في شبكة طرق قوافل واسعة الانتشار، التي التقت فيها طرق البصرة وبغداد والموصل، وانطلقت منها إلى حلب وطرابلس ودمشق. وكانت عانة مركز سلطان أبي ريشة الجمركية، المنفصلة عن الجمارك التركية في الطيبة ـ بالنسبة لحلب ـ والسخنة ـ بالنسبة لدمشق وحمص وطرابلس ـ أما رسوم السفن التي كانت تمخر الفرات نزولاً، فكان الأبوريشة يجبونها في مكان يقع بين بيرهجك وقلعة جعبر، اعترف الأتراك بدولة الموالي، وعينوا حاكم الأبوريشة بيكاً على سنجقي دير الرحبة وسلمية وعانة والحديثة، ورصدوا له مبلغاً مالياً سنوياً وقدموا الهدايا الشرفية المألوفة عند تعيينه»..
* أوبنهايم «البدو ـ ج1»
الزمان لن يُخفق في تذكرها حين يهطل التاريخ، لأنه يستطيع الآن أن يسمع ما رآه يوماً. لا لِص يقدر على اختلاسها من خزائن الأمس ولا سكير يمكنه أن يعبث بسرابها الضخم. أي أزل ذاك الذي اكتسحته «حمرا» وأدهشتنا نحن الفانون؟!
بعضهم قُلْن إنها كانت ساحرة، حرقت حافر حمار وحش وسحقته واكتحلت به. هكذا قالوا عن سر نظرتها الذبّاحة. جسدها كان خالياً من الشعر مثل مرآة. بنات عمها قُلْن أنها صنعت خلطة من مخ أرنبة ومرارتها، تحول دون إنبات الشعر المنتوف. وحمت بشرتها البيضاء القرنفلية من النمش الذي تسببه شمس الصحراء بمرهم، قيل إنها كانت تصنعه من مرارة ذئب مخلوطة بالورس. ومن دم أفعى وزيت نبتة صحراوية صنعت ما يجعل شعرها طويلاً كثيفاً لا يمكن لأنثى أخرى أن تنافسها بطول جدائلها. وانتقمت لأمها التي ماتت مقهورة بسبب زوجة أبيها الثانية، بأن جعلتها تبول على بول ذئب فعقمت. وحين هزل صقر اسمه «المختلس»، كان لأبيها، عالجته وجعلته يسمن بعد أن ألقمته على يدها لحم هدهد حي غير مذبوح ولحم قنفذ منقوع بالخل، فسمُنَ وعاد يرافق أباها في صيده. لم تكن تحب الغزلان ولا الحبارى ولا القطا. كانت تحب الطيور الحرة وتعرف كيف تعاملها. لهذا ـ كما قيل ـ كان لها سطوة على الرجال.
أنثى، تعرف كيف ترفع البرقع عن وجه الجارح، تبعد وجهها عن رأسه، لأنّ أوّلَ شيء يفعله هذا الطائر، حين يفتح عينيه، هو النظر في العيون. ينظر إلى عينيك مباشرة، فضولي ونبيل، يتصفح الوجوه ككائن حر بالمطلق. يهوى العيون التي تحمل بريقاً مجلوباً من تاريخ سحيق.
كانت تعرف أن الرجال الحقيقيين مثل الصقور، لايحبون الدخان والغبار والحائط والباب والأجمة والمرأة الحائض. وحين كانت تقلع عن زيارة طير أبيها في «الرَبْعة» كان الجميع يحزر بأنها حائض.
«حمرا»، كانت رشيقة كغزالة، متنبهة كثعلبة، شريرة كعفريتة، فخورة كملكة، إلى أن تأتي اللحظة المناسبة وتعلن عن حقيقتها بغتة واقفة مثل كوبرا.
للجمال عند أهل الصحراء منطق، وأكثر من شرط، وأسرار كثيرة. لا يكفي أن يكون فاتناً، لابد أن يكون جارحاً أو ضارياً..
عذوبة الملامح يجب أن تسرّب مرارة غير مفهومة. كذلك لابد للجمال أن يكون هادئا لا ينبس ببنت شفة وأن يكون حرّاقاً بشكل ما. أيضاً يريدونه مسيطراً، ويخلِّف الحسرة أينما حلّ.
وتحدث الحياة في صحراء مبسوطة مثل قماشة حرير ذهبي يفردها تاجر أمام امرأة ثرية.
الصحراء: المكان الذي يعطيك حرية إلى حدّ العصيان.
في ذلك الزمن لم تكن الظباء خرافة كما الآن، ولم تكن الصحارى مشقوقة بإسفلت الطرقات أو مشوهة بأعمدة كهرباء.
قبل سنين طويلة، حين كانت الذاكرة ترتسم بخطى ذئب، كان هنالك البدو، أبناء الصحراء الخام. البدو لم يلعبوا الشطرنج ولا الكوتشينة ولا البلياردو، هنالك لعبة واحدة فقط: القدر.
فيما السراب السيد ذو الشوارب في الصحراء يلحس كل قشدة الأرض ويحولها إلى أكاذيب رائعة الغواية.
«فارس على حصان أبيض، فارس الأحلام».