You are here

قراءة كتاب ريام وكفى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ريام وكفى

ريام وكفى

كتاب " ريام وكفى " ، تأليف هدية حسين ، والذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

سأحاول هنا أن أكتبني على الورق دون مغالطة وبلا خجل، وعليّ من أجل ذلك أن أضبط حدود خارطتي لكي لا أنسى بعد عشرين عاماً أو أكثر تفاصيل حكايتي، أكتبني لأحيي تلك الأيام بعد موتها وأعيد لها الحياة قبل أن تختفي في ثقوب النسيان، وسأبدأ من الطفولة وأتوقف عند ذلك اليوم التشريني الغائم الذي قادني فيه أبي إلى المدرسة وهو يمسك يدي بشدة لا أعرف سببها، لكنني أدرك أن أمراً خطيراً بانتظاري، يمشي صامتاً، تاركاً لي فسحة من الوقت للتساؤل: لماذا أصرّت المديرة الثخينة ذات الشعر الأحمرعلى إحضاره بعد أن رفعت سبابة يدها بوجهي مُحذرةً إياي من العودة للمدرسة ما لم يكن أبي بصحبتي؟ غاضبة وقاسية النظرات كانت، كأنني سرقت منها شيئاً أو قمت بجرم فاحش، مع أنني المتميزة في جميع الدروس·

حالما دخلنا المدرسة توجه أبي إلى غرفة المديرة، كنت لمّا أزل في بداية العام الدراسي من الصف الرابع الابتدائي، لم أكمل بعد التاسعة من العمر، طرق أبي الباب المفتوح فرفعت المديرة الثخينة رأسها وأزاحت خصلة الشعر الحمراء من على عينيها، كانت تقرأ في دفتر، وعلى الطاولة فنجان قهوة، رائحة القهوة تضوع في أرجاء الغرفة مختلطة بالعطر ذاته الذي ينبعث من جسدها كل صباح أثناء الاصطفاف اليومي للتفتيش لئلا تكون واحدة من التلميذات قد أطالت أظافرها أو ارتدت قميصاً ياقته وسخة أو غير مكوي··· ما إن رأتني بعد أن أزالت خصلة الشعر الحمراء حتى ازورّ وجهها ورمتني بنظرة متوعدة سأعرف سببها بعد قليل·· وقف أبي قبالتها وحياها فلم ترد على تحيته بل قالت بعصبية:

- إسمع يا سيد ياسين، ابنتك هذه لا أريدها في مدرستي، إنها تُفسد أخلاق التلميذات·

أبي الذي لا يعرف عن ماذا تتحدث المديرة حتى تلك اللحظة ردّ عليها:

- يا حضرة المديرة، كيف لهذه الطفلة الصغيرة أن تفسد أخلاق التلميذات؟

علا صوت المديرة بحنق:

- هل تعاشر نساءك أمام مرأى ومسمع ابنتك يا رجل؟ هل تضعها في السرير عند المعاشرة؟

شعر أبي بارتباك والتفت إليّ فغضضت النظر، كان وجهه مخطوفاً ونظراته قاسية، أظن أنه كان يبحث عن كلمات لم يجدها في الحال فقال كلمة واحدة ريثما يعثر على بقية الكلمات:

- أنا؟

ردت المديرة ساخرة:

- وهل أتكلم مع رجل غيرك في هذه الغرفة؟

صمت أبي لأنه ما يزال يبحث عن كلمات فاستأنفت المديرة:

- ابنتك هذه تحكي للتلميذات بأنك كل ليلة·····

سكتت قليلاً وأزاحت خصلتها الحمراء داسّة إياها خلف أذنها ثم أردفت بصوت خفيض:

- أنت تعرف ماذا تفعل يا رجل·

كان أبي في هذه اللحظة يجفف بمنديله العرق الذي نبت على جبينه، وقال متلعثماً:

- أنا متزوج من امرأتين أيتها المديرة، وربما إحداهن كانت····

قاطعته بعصبية وبصوت أعلى:

- هذا أمر يخصك، مثنى وثلاث ورباع، المهم عندي أن هذه الأمور شخصية وتدخل من ضمن الأسرار ومن العيب أن يطلع عليها الأطفال، الحياء يمنعني أن اقول لك ما تخبر به ابنتك التلميذات، أخرج الآن وابحث عن مدرسة أخرى، ورقة النقل جاهزة·

في الطريق إلى البيت كان أبي الذي مايزال يتصبب عرقاً يكز على أسنانه، يشتمني ويتوعدني بأنه سيرميني إلى السرداب لأعيش مع الجرذان والحشرات، وكان يشدد من قبضته على أصابع يديّ النحيفتين فأشعر بالألم لكنني لا أصرخ ولا أتأوّه·· وما إن دخل البيت واجتاز نصف الممر حتى كفخني على وجهي وأسقطني بقوة على البلاط وداس على رأسي بحذائه الجلدي الخشن وسط دهشة زوجته الثانية (بهيجة) التي كانت تجلس على الكنبة الخشبية في الطارمة وتلاعب ابنها محمود ذا السنوات الأربع، بينما بطنها يبرز إلى الأمام·· كانت أمي قرب شجرة البرتقال بيدها صحن تقطف أزهار القداح وتضعها في الصحن، وحينما تفعل ذلك فهذا يعني أنها تنوي أن تصنع منها قلادات لبناتها، أو تضعها على المائدة في صحن فيه ماء ليعبق البيت بعطرها الشذي·· وبعد أن رماني أبي إلى الأرض وصرختُ من شدة السقوط رمت أمي الصحن من يدها فتساقطت الأزهار على العشب وهرعت نحوي صارخة فأسكتها أبي وجعلها تقف مكانها مذهولة وقال بصوت مجروح:

- ابنتك هذه فضحتنا يا أم البنات، كل ما يحدث بيننا في الفراش تحكيه للتلميذات·

كنت متكورة على جسمي مثل قنفذ منزوع الأشواك، أنشج بصوت واطىء وأصابعي ترتعش، وحينما سمعت بهيجة ما قاله أبي أطلقت ضحكة متموجة زادته غضباً، فصرخ وهو يرفسني:

- لا مدرسة بعد اليوم وستنامين في السرداب·

Pages