You are here

قراءة كتاب دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية

دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية

كتاب " دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية " ، تأليف د. ايمان محمد الطائي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

إن أهم المشاكل التي تواجه الأفراد هي انتشار حالة الإحباط والتوتر التي تؤثر بشكل كبير على نفسيتهم. ومن الضروري معرفة دوافع السلوك الإنساني لكل فرد بحد ذاته؛ حتى يمكن فهم آثاره السلبية فهماً معمقاً، ذلك أن السلوك الإنساني يتميز بأنه سلوك مسبب لا يظهر من العدم، ولكن يكون هناك دائماً سبب يؤدي إلى نشأته، وأنه سلوك هادف يسعى إلى تحقيق غاية معينة، وأنه سلوك متنوع يظهر في صور متعددة ومتنوعة حتى يمكنه أن يتكيف ويتوافق مع المواقف التي تواجهه، وهذا يعني ضرورة دراسة سلوك الأفراد حتى يمكن الوصول إلى الأسباب والعلل التي جعلته يتصرف بهذا الشكل.

إن فهم المشاعر والحاجات الإنسانية للأفراد يساعدنا على تهيئة المناخ الملائم لهم؛ لإشباع تلك الحاجات، من ثم تحقيق أهدافهم، كما تساعدنا في فهم أسباب الصراع بين الجماعات والعمل على إزالته من أجل مناخ صحي يسعى فيه الجميع إلى تحقيق الأهداف المشتركة.

ويرى ليفين (Lewin) أن فهم وتفسير السلوك الإنساني يتطلب النظر إلى كل من الفرد وبيئته المادية والاجتماعية؛ لأن دوافع الفرد ورغبته هي محصلة لتفاعل قواه الداخلية مع القوى المحيطة به في البيئة الخارجية، وعلى ضوء ذلك يتحدد مدى تقبل الفرد لعمل ما دون آخر ونجاحه فيه.

فإذا كان مناخ البيئة المحيطة مستقر يسوده التعاطف والمودة والاحترام فإنه يمكن أن يشعر بالاستقرار النفسي، ويوفر أجواء حماية له ويخفف من حدة الإثارات الموجهة له، كما أنه يقدم آليات مواساة ومعاضدة له؛ للتغلب على المعاناة التي يتعرض لها، وبذلك يشعر الفرد بالراحة والأمان النفسي.

إن فهم الأشكال السلوكية التي يتلبس بها الأفراد يجعلنا قادرين على حل مشاكلهم، وتجنب الجماعة لمزيد من المشاكل نتيجة لقلة الفهم الصحيح مما يؤدي إلى تعقيدها وتزايدها لذلك، فإننا بحاجة إلى معرفة أسباب المعاناة المحتملة حتى يمكن إيصال هذه المعاناة إلى الحد الأدنى والتغلب على المعوقات والإحباطات التي تعترضهم بطريقة موضوعية.

إن لشخصية الفرد واتزانه الوجداني وسلامة صحته النفسية أثر كبير في سلوكه مع الآخرين، وكثيراً ما تعزى درجة تدني فعاليته إلى ظروف نفسية أو اجتماعية أو مهنية تحول بينه وبين التكيف مع ظروف حياته وشعوره بالعزلة الوجدانية مهما كان مصدرها، فلها أثر كبير في نشاطه وقدرته على الإنجاز والإبداع.

إن ما يعانيه الفرد يمثل خطراً على صحته وتوازنه، كما يهدد كيانه النفسي وما ينشأ عنه م آثار سلبية؛ كعدم القدرة على التكيف، وضعف مستوى الأداء، والعجز عن ممارسة مهام الحياة اليومية، وانخفاض الدافعية للعمل، والشعور بالإنهاك النفسي، فإن أساليب التعامل تعتبر الحلول السحرية لإعادة التوافق عنده؛ فحينما يتعامل مع المواقف فإنه يستجيب بطريقة من شأنها أن تساعده على التجنب أو الهرب لتقليل الأزمة وحلها توفيقاً.

إذاً فالمؤثرات الخارجية النابعة من بيئة الفرد تؤدي إلى حالة من التوتر وضعف التوازن تدفعه إلى اتخاذ أنماط سلوكية معينة للتخلص من حالة التوتر بشكل مؤقت.

ولكي يتمكن من أداء نشاطه أمام هذه المعوقات يلجأ إلى أسلوب حيادي وانطوائي لكي يحمي نفسه من حالات التوتر الشديدة، وهو بذلك يعمد إلى وضع حاجز نفسي بينه وبين زملائه.

فالعزلة الوجدانية قد تحدث عندما لا يحصل على الرضا والإشباع من المحيطين به، وشعوره بأنه قد وصل إلى طريق مسدود وأنه مقدر عليه البقاء في نفس الظروف، ومواجهة الصعوبات نفسها. وهكذا يحاول على المستوى الشعوري واللاشعوري أن يخفف وطأة مشاعر القلق الحاد التي قد تعتري حياته من جراء التعرض للضغوط الشديدة والمستمرة في بيئته.

ويعمد الفرد لتحقيق المواءمة مع الظروف والأحداث والمواقف المستجدة وغير المتوقعة، وهذا يتم من خلال بذله سلسلة من العمليات النفسية والبحث عن وسائل جديدة أو تعلم أنماط جديدة للسلوك لمواجهة المشكلات التي حالت دون الوصول إلى الأهداف.

وبشكل عام فإن كل البشر يلعبون أدواراً حياتية مختلفة، ومن خلال قيامهم بأحد أدوار حياتهم تصادفهم في بيئاتهم عوائق ومحددات عديدة عند محاولتهم تحقيق أهدافهم ورغباتهم؛ لذلك فإنهم يكونون مضطرين أن يعملوا جاهدين لتحقيق التوافق بين ما يريدون وبين إمكاناتهم وقيود البيئة.

إن مساعدة الفرد على التخلص من الشعور بالعزلة الوجدانية وتحقيق ذاته وطموحه وتنمية قدراته وإمكاناته يكون من خلال معرفة العوامل المسببة لهذه الظاهرة، ووضع الحلول والمعالجات المناسبة، حتى يكون أكثر فاعلية واندفاعاً وحماساً في حياته، وأكثر قدرة على استبصار مشكلاته.

إذاً فالعزلة الوجدانية تتمثل بالانسحاب والهروب من المواقف، وبخاصة عندما يجد الفرد نفسه غير مقبول من الآخرين، ويعاني من صدهم، فيميل إلى العزلة، وكذلك عندما يخاف الفرد من الفشل يبتعد عن التحديات والمنافسات في العمل والدراسة. كما تتمثل العزلة الوجدانية في الخضوع والاستسلام، وبخاصة عندما يشعر الفرد بعدم الكفاءة في مواجهة مواقف الحياة اليومية، فيلجأ إلى الخضوع والاستسلام ويصبح ضعيف الشخصية سهل الانقياد. وتعد العزلة الوجدانية سلوكاً طبيعياً إذا كانت وسيلة للابتعاد المؤقت عن المشكلة ثم العودة لمواجهتها بأساليب جديدة.

وتعد العزلة الوجدانية أيضاً من المشاعر الإنسانية المريرة، وهي شعور قاسي وذاتي قد يشعر به الفرد وهو وسط الآخرين؛ ولا شك في أن اتصالنا بغيرنا ممن هم حولنا، وكذلك رد فعلهم لهذا الاتصال يؤثران في شعور المرء باحترام ذاته "Self- Esteem"، ويؤثران كذلك في صورة الإنسان من ذاته "Self- Image"؛ أي تصوره أو مفهومه عن نفسه؛ لذلك تعد العزلة الوجدانية "Affective Isolation" واحد من الوجدانات السالبة المصاحبة لمشاعر النقص وضعف الثقة بالذات.

ففي دراسة قام بها جم ديلزل (Delisle, G. 1988) أكدت أن الصعوبات التي يواجهها المراهقون مع الأقران والخوف من الفشل يمكن أن تؤدي إلى شعورهم بالعزلة الوجدانية.

Pages