كتاب " دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية " ، تأليف د. ايمان محمد الطائي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب دراسات في سيكولوجية العزلة الوجدانية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
والواقع أن استمرار الحالة النفسية على ما هي عليه، أو تغيرها، أو حتى زوالها، يعتمد على أهم عامل حاسم في هذا الشأن، ألا وهو، إلى أي مدى يجتر الناس أحزانهم. ويبدو أن القلق يكثف الاكتئاب ويطيل فترته.
ويتخذ هذا الاجترار أشكالاً عدة تتركز كلها على جانب من الاكتئاب نفسه، كأن نفكر إلى أي مدى نشعر فيه بالتعب. وإلى أي مدى بلغ ضعف قدراتنا ودوافعنا، وتضاءل ما انجزناه من أعمال. ولا يصاحب هذا النوع من التفكير عادة أي فعل مادي يمكن أن يخفف المشكلة. ومن بين أشكال التوترات الأخرى، (الانعزال عن الآخرين، والتفكير في شعورك لفظاعتها، وإحساسك بالقلق خشية أن ترفضك قرينتك بسبب اكتئابك وتفكيرك في الأرق الذي تتوقع أن يصاحبك هذه الليلة أيضاً) .
وهذا وفقاً لقول (سوزان نولن هوكسان) Susan Nolen Hoecksman العالمة السيكولوجية بجامعة ستانفورد، التي درست اجترار الحزن عند مرضى الاكتئاب. يبرر المكتئبون أحياناً هذا النوع من اجترار التفكير بقولهم، (نحن نحاول فهم أنفسنا بصورة أفضل)، لكن الواقع أنهم يشغلون أنفسهم بمشاعر الحزن، دون اتخاذ أي خطوات يمكن أن تخلصهم بالفعل من حالتهم النفسية الحزينة المكتئبة. وكان من الممكن أن يساعد اجترار التفكير في علاج حالة الحزن إذا عكس بعمق أسباب الاكتئاب، ليصل إلى مرحلة الفهم الثاقب، أو أدى إلى أفعال تغير الحالة النفسية التي أدى إليها الاكتئاب. لكن الاستغراق السلبي في الحزن يؤدي ببساطة إلى مزيد من سوء الحالة النفسية.
واجترار أسباب الاكتئاب يمكن أيضاً أن يعمق ويقوي الاكتئاب نفسه وتقدم (نولين هوكسمان)Nolen Hoecksman مثالاً على ذلك بإحدى البائعات التي أصيبت بالاكتئاب .
كانت قد أمضت ساعات طويلة في قلق وهم، لأنها لم تحصل على طلبيات كبيرة من السلع التي تبيعها، مما أدى إلى انخفاض نسبة مبيعاتها، وجعلها تشعر بالفشل الذي أخذ يغذي اكتئابها. حاولت البائعة أن تخرج من هذه الحالة، فاستغرقت في طلبات البيع كوسيلة تبعد بها عقلها عن الحزن .
ولقد كان من شأن ذلك أن احتمال انخفاض مبيعاتها تضاءل، كما أن ممارسة البيع ذاتها أدت إلى تقوية نفسها, وقلت نسبياً حالة الاكتئاب التي تعيشها.
توصلت (نولين هوكسمان) إلى أن النساء أكثر ميلاً من الرجال، إلى اجترار الأحزان في حالة الاكتئاب. وترى (هوكسمان) أن هذا الاجترار قد يفسر جزئياً لماذا تبلغ حالات الاكتئاب بين النساء ضعف حالات الاكتئاب عند الرجال. غير أن عوامل أخرى تلعب دوراً في هذا الصدد، من بينها أن النساء أكثر انفتاحاً للإفصاح عن شعورهم بالهم، وأسباب اكتئابهن الحياتية . أما الرجال فقد يغرقون في كؤوس الخمر، التي تجعل نسبة اكتئابهم ضعف نسبة اكتئاب النساء.
وقد تبين في بعض الدراسات، أن (العلاج بالمعرفة) الذي يهدف إلى تغيير هذه النماذج من التفكير، يكافئ علاج الاكتئاب الإكلينيكي الخفيف بالعقاقير، بل يتفوق عليه في منع عودة هذا الاكتئاب.
هناك خطتان فاعلتان في هذه المعركة على وجه الخصوص: الأولى أن تتعلم كيف تتحدى الأفكار المستقرة في مركز الاجترار وتتساءل عن صحتها وفعاليتها ونفكر في بدائل أكثر ايجابية والخطة الأخرى هي تنظيم جدول مقصود للقيام بأحداث سارة جذابة تصرف الذهن عن الأفكار الاكتئابية .
ومن الأسباب التي تجعل صرف الذهن عن الأفكار الاكتئابية مفيدا أنها ما أن تقتحم الذهن لا تتوقف.
إذا حاول المكتئبون قهرها ولا يمكنهم التوصل إلى بدائل أفضل في أغلب الأحيان، مادامت موجة الاكتئاب قد بدأت بالفعل، وصار لها تأثير مغناطيسي على سلسلة تداعي الأفكار وعلى سبيل المثال، عندما طلب من بعض المكتئبين ترتيب جمل تتكون من 6 كلمات غير مرتبة، لوحظ أنهم نجحوا في ترتيب جمل مثيرة للاكتئاب مثل (المستقبل يبدو قاتما تماما)، أكثر من ترتيب جمل مبهجة مثل (يبدو المستقبل مشرقا) .
ويلقي الميل إلى استمرار الاكتئاب ظلاله على أشكال الانسحاب التي يختارها المكتئبون.
فعندما قدمت لبعض المكتئبين قائمة بوسائل مبهجة وأخرى مثيرة للملل، حتى يبتعد تفكيرهم عن أسباب أحزانهم _ كجنازة صديق لهم مثلا _اختاروا الفعاليات المليئة بالكآبة وقد انتهى ريتشارد وينزلاف Richard Wenzelaff الباحث السيكولوجي بجامعة تكساس الذي اجرى هذه الدراسة إلى أن هؤلاء المكتئبين يحتاجون بالفعل إلى مجهود خاص لتحويل اهتمامهم إلى شيء مبهج تماما، مع الحرص الشديد على اختيار كل ما هو بعيد عن الحزن تماما، فمشاهدتهم فيلما تراجيديا أو قصة مبكية مثلا يمكن أن تهبط بحالتهم النفسية للحضيض مرة آخرى.