كتاب "الأعمال الكاملة طه محمد علي"، شعره يجمع باقتران نادر ثقافة شعرية عالية ومشغولة بأداء عفوي كأنما هو عفو الخاطر. في استعمال اللغة وتناول المواضيع، يجمع الجرأة والطليعية إلى ذلك الاطمئنان والاقتدار والمعرفة بالأصول التي تسمّى الأصالة.
You are here
قراءة كتاب الأعمال الكاملة طه محمد علي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
المُعلَّقَةِ بعُنقِها الحَنونِ
سأعرِفُ نظَراَتِها الربيعِيّةِ الصافيةِ
نظراتِها النّدِيَّةَ
كَأحلامِ البُحيراتِ
سأعرِفُ خُطُواتِها المُخمَلِيّةَ الخجُولَةَ
خُطُواتِها الرّتيبَةَ
كأنفاسِ أشتَالِ الخَسِّ
وسأعرِفُ صَوْتِها اللّيلكيَّ المُتفَرِّدَ
صَوتَها العَذْبَ
صَوّتَها الذي ما سمِعْتُهُ
إلاّ أحسَسْتُ أنّهُ قادِمٌ من مكانٍ في أعماقِي قَصِيٍّ
مكانٍ في النّفسِ سَحيقٍ
ضائِعٍ ومجهُولٍ
هذا الصَوْتُ الذي يبلُغُني
فاُصافحُهُ وأعانقُهُ
قبلَ أن يَصِلَ سَمَعي
لا أخطِئُهُ
أستطيعُ أن أميِّزَ
من بينِ أصواتِ يمامِ الدنيا
وقد جُمِّعَ ووُضِعَ في حديقةٍ واحدَةٍ.
حينَ أراهَا سترحلُ كفِّي
إلى موضِعِ القلبِ من صدري
لكنّي لن أدَعْها
ترَى الدمُوعَ في عينيَّ
لا دُموعَ الفرحِ بها
ولا دُموعَ الخَوفِ عليها
ولا دُموعَ أعوامِ الحُزنِ
وسِنيِّ العذابِ.
سيُهروِلُ دمي في عُروقي
للِقائها
والتّسليمِ عليها
والاحتفاءِ بها.
هيَ أيضُا ستعرِفُنا
حُزنُنا سيدِلُّها علينا
انتظارُنا سيدُلُّها علينا
الحنينُُ يَدُلُّها
والغُروبُ والوَجْدُ
أللّيلُ يَدُلُّها
والغَمامُ والعُشبُ
ستَدُلُّها الغابَةُ
الفُصولُ
والطُرُقاتُ
والأنهارُُ
ستَدُلُّها علينا
ستَعرِفُنَا وتبكي
تتذكّرُنا وتبكي
تًلْقُطُ الحصَى والقَمحَ
وتبكي
ترتَجِفُ من شِدَّةِ البَرْدِ
وعُمقِ الغُربةِ
وتبكي.
نروي لهَا عن حُقولِ الشَّوْكِ
وثمارِ الحنظَلِ
ونشكو لهَا جِنايَةَ الريحِ
نَحكي لهَا عن براثِنِ الشَّتاتِ
عن لُؤمِ رَحَى اللّيلِ
وَجَوَى الأمسياتِ
نَحكي لهَا عنِ القَهْرِ
والمرارَةِ والضّياعِ
ونَذَكِّرُها ببراعِمِ الزّيتون