قراءة كتاب الضوابط الشرعية للثوابت والمتغيرات في الإسلام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الضوابط الشرعية للثوابت والمتغيرات في الإسلام

الضوابط الشرعية للثوابت والمتغيرات في الإسلام

كتاب " الضوابط الشرعية للثوابت والمتغيرات في الإسلام " ، تأليف الدكتور راشد سعيد شهوان ، والذي صدر عن دار المأمون للنشر والتوزيع عام 2013 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب : 
المقدمة

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 9

ثالثاً: عوامل المرونة والسعة في الشريعة الإسلامية

نريد من وراء الحديث عن عوامل المرونة والسعة في الشريعة الإسلامية أن نبين إلى دعاة التحديث والعصرنة، أصحاب المشاريع الإصلاحية المعلبة، الذين يرددون صدى المناهج الغربية ويغازلون مشاريعهم في النهضة والتغيير ويصفون الشريعة الاسلامية وأحكامها بالثبات والجمود والعجز عن استيعاب المتغيرات، ويسعون بحجة هذه الأوهام، وبما يدعونه من ضغط الواقع وتطور الحياة، إلى التفلت من الشريعة والعبث في أحكامها وتأويل مفهوماتها بحسب أهوائهم، ونريد أن تبين ونؤكد لهم أن الشريعة الإسلامية شريعة ربانية وصفها منزِّلها جل جلاله بالكمال والجمال والشمول، وكانت أساس التشريع والقضاء والفتوى في العالم الإسلامي كله قريباً من أربعة عشر قرناً، دخلت فيها معظم الشعوب، ودخلت مختلف البيئات، وحكمت شتى الأجناس، وأقامت العمران وبنت الإنسان واقترن فيها السلطان بالقرآن والراعي بالرعية، والتقت بعدد من الحضارات.... فما ضاق ذرعها بجديد، ولا قصرت عن الوفاء بمطلب، بل كان فيها لكل مشكلة علاج ولكل حادثة حديث، وكانت تدفع الناس جميعاً إلى التقدم وتسير بهم إلى الخير والصلاح وسعادة الدنيا والآخرة، إلى أن سقطت الخلافة، وجاء عهد الاستعمار الغربي ببغيه العالمي الذي أهلك الحرث والنسل، فاستبدل بها تشريعاته الوضعية، فاحل بها ما حرم الله، وأبطل بها ما فرض الله.

وسنتحدث فيما يلي هذه العوامل – عوامل المرونة والسعة–(21)، وبعض دلائلها وتطبيقاها في الحياة الإسلامية بالقدر المناسب.

العامل الأول: سعة منطقه العفو المتروكة قصداً

إن أول هذه العوامل ما يلحظه الدارس ويلمسه لهذه الشريعة وفقهها من اتساع منطقه (العفو)(22)، أو الفراغ التي تركتها النصوص قصداً لاجتهاد المجتهدين من علماء الأمة ليملؤوها بما هو اصلح لهم، وأليقٍ بزمانهم وحالهم، مراعين في ذلك المقاصد العامة للشريعة. وإنما سميت (منطقه العفو) أخذاً من الحديث الشريف الذي رواه سلمان: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً )(23) ثم تلا: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (24). وفي رواية أخرى: «أن الله حد حدوداً فلا تعتدوها، وفرض أشياء فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم، غير نسيان، فلا تبحثوا عنها»(25). وفي رواية أخرى: (..... ذروني ما تركتكم)(26).

وجاء في القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(27). والخطاب للصحابة في زمن نزول الوحي حتى لا يترتب على بحثهم وتقعرُّهم تشديد بزيادة التكاليف، وهذا يدلنا على أن تقليل التكاليف وتوسيع منطقة العفو، لم يجيء اعتباطاً ولا مصادفة، وإنما هو أمر مقصودٌ للشارع، الذي أراد لهذه الشريعة العموم والخلود والصلاحية لكل زمان ومكان وحال وهناك أدلة فيما لا نص فيه لملئ منطقة العفو بالتشريع والتنظيم بعد انقطاع الوحي وأهمها الاجتهاد، فهي منطقة متروكة لاجتهاد المجتهدين ما داموا أهلاً للإجتهاد.

أدلة التشريع فيما لا نص فيه:

أولاً: القياس:

يعرف القياس بأنّه: «إلحاق أمر لم ينص على حكمة بآخر قد نص عليه، لعله جامعه بينهما، ولم يوجد فارق معتبر بين الأمرين». ولا يخفى على أحد دور القياس وأهميته في الاجتهاد الإسلامي.

قال الإمام المزني صاحب الشافعي: الفقهاء من عصر رسول الله ( إلى يومنا، وهلم جرا، استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم، وأجمعوا أن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل، فلا يجوز لأحد إنكار القياس لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها(28). وقد عمل بالقياس الأئمة الأربعة وأخذ به جمهور الأمة، وتركوا لنا ثروة فقهية وبحوثاً غزيرة ضافية في حقيقته وأركانه وشروطه وحدود استعماله وتطبيقاته، يجدها الباحث في كتب الأصول على اختلاق مذاهبها وطرائف تناولها(29).

ثانياً: الاستحسان:

الاستحسان في عرف الأصوليين: هو العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل شرعي خاص بتلك المسألة(30).

فهو عملية اجتهادية عقلية تستهدف ترجيح العمل بدليل الحكم الاستثنائي على العمل بدليل الحكم الأصلي في واقعة معينة إلى حكم استثنائي، لما يقتضيه من جلب نفع أو دفع حرج أو رفع ضيق، وهو يقوم على أصل شرعي ويستند إلى دليل.

وقد أرشدنا إلى ذلك القرآن الكريم في آيات كثيرة، وأثنى سبحانه وتعالى على اختيار الأحسن من بين الأمور المتعارضة، قال سبحانه: (ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ)(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ)(31)، وكذلك أمر بالإحسان الذي هو جلب مصلحة أو دفع مفسدة قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)(32).

فالاستحسان أصل من أصول الفقه الإسلامي أرشدنا إلى تطبيقه القرآن الكريم والسنة النبوية وقضاء الخلفاء الراشدين، وله أهمية كبيرة في الحياة العملية وفي الوقائع المحاطة بالظروف الطارئة، حيث أنَّ تطبيق الأحكام الأصلية فيها يؤدي إلى حدوث حرج أو تفويت مصلحة مشروعة، ولهذا فإن الاستحسان في صوره وأشكاله عبارة عن العدول عن العمل بالعزيمة إلى العمل بالرخصة لما يدعو إلى ذلك، وأن العمل بالاستحسان هو العمل بالنصوص التي تدعو إلى اليسر ورفع الحرج.

Pages