كتاب " خذ حصتك من القتل " ، تأليف نصري الصايغ ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب خذ حصتك من القتل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ليتهم يخرسون قليلاً. ليتهم يبعدون عنا كأسهم السياسية التي تجتر فيها المياه الآسنة التي تشبه أقوالهم الآسنة كذلك. إنّ تنسيب الإرهاب إلى غير واقعه المعاش، هو بمثابة إصدار عفو عنه. ولا عفو لمن يقتل بلذة ونهم. ومحاكم واقية أخرى، تشبه من أقدم على قتل عائلته وقتل نفسه قبل أن يقع في أيدي «الدواعش».
في الكتاب المذكور أعلاه حكاية، يمكن لأصحاب الأرواح الهشة التغاضي عنها وعدم قراءتها: «إن معرفة الإرهاب ينبغي أن نسأل عنها هذه الأم التي استفاقت على أصوات انفجارات، فسارعت إلى جمع أطفالها وانبطحت أرضاً وإياهم، في الظلام، في زاوية غرفة، بالقرب من نافذة، وهي مستعدة لرميهم خارجاً، وهي تسكن في الطابق الخامس. كانت تفضل رمي أطفالها من النافذة على أن تراهم يقعون بين أيدي «بهلوانات الموت» موفرة على نفسها، هكذا، رعب الاغتصاب والذبح. إنها أم شجاعة وواضحة، إذ لا شيء أسوأ من إعدام طفل بالفأس، بالمنشار، بالسيف أو بالنار».
وقد حصل ذلك اعتماداً على فتوى تلامذة عبد الله عزام «سنقضي عليهم بالكلام الحق... إننا لا نقلل من قيمة السلاح. فلا تستحق السلطة الفاسقة والكافرون الموت بالرصاص... لا بد من ذبح الخونة». وجاء هذا العنف الاستئصالي مفنداً ومبوَّباً. فالفظاعات ليست اندفاع غريزة من القتال، بل هي تدبير مثالي بأمر إلهي. يذكر الكاتب ماكداش في مقالة كتبها في صحيفة «المساء» الجزائرية ما يلي: «هناك جرى تلقينهم للاعتقاد بأن المقام المقبل لكل منهم هو الفردوس ـ كما صوره لهم عبد الله عزام ـ مترابط مباشرة مع القذارة والنتانة وطول لحية المجاهد. في هذا الفردوس الخاص جداً يكون التقرب من الله على قدر عدد «الكفرة» المذبوحين، بخاصة على قدر الوجع والعذابات التي يقاسيها «أعداء الله» قبل أن يسلموا الروح... إنّ قتل نسل الكفار، خصوصاً الصغار، عمل لذيذ سيرجح كثيراً الكفة في الميزان الإلهي».
ضحايا هذا الجنون الديني المبني على تيولوجيا عوراء وفقه سافل وتأليه للإرهاب كبد الجزائر مئة ألف ضحية... حتى الآن، لم يعرف عدد الضحايا في العراق وسوريا... والعدَّاد اللبناني يتمرن على القفز بالأرقام إلى... يا إلهي! من يوقف هذا العدّاد اليوم قبل استحالته غداً؟
قيل: إذا دخلت السياسة الأدب أفسدته. فماذا يقال عن نتائج دخول الدين في السياسة. ما جاء أعلاه، وما سيأتي أدناه، دليل حسي على الخراب الذي يحدثه في النفوس، من عصبية وتعصب، وفي الواقع، من فرز اجتماعي ومذهبي، يؤدي حتماً، في أزمنة التأزم، وهي كثيرة ومتواترة، إلى عنف وإرهاب... الدين في السياسة، نفط حارق. التداوي بمراهم التكاذب المذهبي لا يجدي، عندما تعصف الأمراض السياسية في بنية المجتمع... إرهاب واستبداد الأنظمة السياسية وإرهاب واستبداد الديكتاتوريين، لا تؤدي مقاومته مدنياً وقتالاً، إلى فتنة، تفجر المجتمع وتمزق لحمته. هنا الصراع صحي، مهما عنف، الغالب سياسي والمغلوب سياسي. أما في حالة اندفاع الدين إلى السياسة وتحويله إلى آية وراية وسلاح وأصحاب طرق، فعندها، لا حول ولا قوة... والأدلة فاضحة. فالمعارك المندلعة اليوم، على امتداد المشرق، هي بين «أهل الإيمان» و«أهل الكفر»، بين سنة وشيعة. بين مؤمنين وروافض... وهي معارك، ترقى في بشاعاتها، إلى الماضي الظلامي في زمن محاكم التفتيش في الأندلس. وهذا نص يثبت فظاعة تدخل الدين في السياسة، وتصنيع «مؤمنين» يدافعون عن الله. ودين الله وأمة الله، بارتكاب الكبائر.
في كتاب «اللوح الأزرق» لجيلبرت سينويه المشهد التالي في طليطلة: أواخر الشهر الرابع من سنة 1487 م. «نحن المفتش العام والولاة ورجال الشرطة والفرسان والقضاة ووجهاء طليطلة، أبناء المسيح الحقيقيون الأوفياء المطيعون للكنيسة أمنا المقدسة، نقسم بالنصوص المقدسة التي بين أيدينا، أن نحفظ رسالة يسوع المسيح المقدسة وأن نعمل على حمايتها وأن نطارد المارقين وأن نطيح كل من نشك في هرطقته أو كفره... وإذا تقاعسنا عن ذلك فليحاسبنا حساباً عسيراً وليسلط علينا عقابه الشديد الذي يسلطه على الفاسدين الذين يكفرون عبثاً باسمه المقدس... إنهض أيها الرب ودافع عن قضيتك. ودفع باثنين إلى النار ليحرقا. ظل أحدهما يحتضر في صمت بينما أخذ الثاني يصرخ ويتوسل وينتفض فألقى بنفسه إلى الأرض شعلة بشرية مولولة. انقض عليه الجلادون وأعادوه إلى النار. ثم جيء بامرأة مسنة، فلم يلق بها في النار، لأنها اعترفت بما اقترفت وطلبت الرحمة، فاستجاب لها المكيِّف الرحيم وأسعفها بالموت خنقاً. فجحظت عيناها وبدا أنها تريد أن تقول شيئاً، لكن الكلمات ظلت حبيسة في حلقها إلى الأبد».
ماذا كانت تريد أن تقول المرأة المسنة؟
لا براءة لدين إن دخل السياسة: المسيحية سياسياً، مرتكبة جرائم، بحق من يكفر أو يختلف عنها بالرأي. هذه المسيحية السياسية، تم تصنيعها وتعميمها على أجهزة المجتمع، وقادت بها حروباً صليبية، وفتناً دامت مئات الأعوام... اليهودية سياسياً، صارت حركة صهيونية، استولت على فلسطين واحتلت أرضها، ولا تزال. والإسلام سياسياً، كان وهو كائن راهن وسيكون مستقبلاً وبالاً على الدين والله والناس والعقل والإنسانية.
في بلدان العرب، مصانع متعددة لتصنيع الإسلام السياسي. وها هو يفتك بالبلدان، من أفغانستان إلى لبنان.
لا يفيد الكلام على إسلام سياسي معتدل. الاعتدال موقت، ويتناسب مع حالة المجتمع السلمية. وما أن يعتكر المزاج الاجتماعي سياسياً، حتى يعتكر الاعتدال، ويصير حاضناًشرعياً للإسلام الجهادي التكفيري.
من يوقف هذه المجزرة؟
لا أحد.
لذلك: «الموت ملتصق بنعال أحذيتنا» وأنفاسنا. نسير وكفننا تحت إبطنا. انتظاراً لذلك اللقاء المحتمل مع النصل الناصع المدعوم بالنص الديني القاطع.
لا نملك في هذه الأثناء، غير الأحزان على شهدائنا، أينما سقطوا، ولأي مذهب انتموا. ولا نعوِّل إلا على الصدفة الخطرة، كي نظل متمسكين بوهم الوطن وأوهام الأمة وأحلام الحرية وطيبة الإنسان، أقدس خلق الله، والذي يتمتع بكل الجلال.
23/1/2014