كتاب " قوس الأزمات الإقليمية " ، تأليف جميل مطر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
قراءة كتاب قوس الأزمات الإقليمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أخطأ قادة الحزب المنبثق عن الجماعة، بل وأخطأ قادة الجماعة أنفسهم، حين امتنعوا عن استخدام القوة المعنوية للجماعة في الشارع، وللرد على الإساءات أو التفسيرات المتشددة والمثيرة للفتنة التي أطلقتها قوى إسلامية متطـرفة. كان من الممكن أن يحقق «الإخوان» خطوة متـقدمة نحو الاستـقرار لو أنهم تحملوا مسؤولية تنحية الشوائب التي دخلت حديثاً على الدين الإسلامي وإعادة تقديمه في صورة بهية تفيدهم كحزب في السلطة وتعينهم على خصومهم في تيار الإسلام السياسي المتأهبين للقفز إلى السلطة.
كان معروفاً أن مؤسسات الدولة المصرية راسخة حتى وإن كان أداؤها تدنى إلى ما تحت المستوى المقبول. كان معروفاً أنها ستقاوم التغيير ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً: مشـروعاً أم غير مشـروع. كان هناك من تصور أنها إذا شعـرت برياح التغـيير تهدد محيطها ومصالحها وقلاعها، فإنها لن تتردد في استخدام أبشع صور التدخل في الحياة السياسية المصرية لوقف وصول هذه الرياح إليها أو لمنعها عند المصدر.
هنا أيضاً أخطأ الحزب الإسلامي الحاكم، وأخطأت الجماعة التي استثمرت براغماتيتها خلال الفترة الأخيرة، أي منذ نشوب الثورة، إلى الحدود قصوى. أخطأت حين تحالفت مع بعض هذه المؤسسات ضد قوى التغيير، أي ضد الثورة، وهى الآن تدفع ثمن هذا الخطأ الفاحش بفشلها في وضع صيغة «تحالف ثوري» يضمها إلى قوى الثورة الأخرى، لرسم معالم نظام سياسي مستقر، أو على الأقل رسم معالم طريق لمرحلة انتقالية سلمية وايجابية.
كان معروفاً أيضاً أن هناك ندرة شديدة في القيادات السياسية القادرة على تسيير دولة، فما البال بدولة في حالة ثورة. أسباب شح القيادات واضحة وتعود إلى سنوات جدب سياسي عديدة. هنا أيضاً لم يكن من المتصور أن تصل الندرة إلى درجة تسببت في أن تفلت من أيادي النخبة السياسية غير المندرجة في تيار الإسلام السياسي، الفرصة الذهبية لتتقدم الصفوف، وتستولي على مقاليد الحكم من حزب خاضع لجماعة تطل عليهم من خارج النظام السياسي. حاولوا الالتئام ولم يفلحوا. حاولوا الائتلاف وفشلوا. حاولوا إقامة جبهة تتفاوض وخابوا. حانت فرصة ثانية أتاحها الهبوط الشنيع في شعبية رئيس الدولة، رمز الجماعة والحزب وتيار الإسلام السياسي بأسره، ليختاروا من بينهم من يكون له بين الناس قبول أوفر، فيقود ويفاوض ويتزعم ويتكلم مع الغرب والعرب ومع العالم الأوسع.
لم يكن متصوراً أن تكون في مصر نخبة سياسية لا يقدم أعضاؤها أو أحزابها أفكاراً وبدائل لحل قضايا هي الأخطر في تاريخ مصر. عشنا لنرى نخبـة في ثورة لا تطرح رؤى ثورية وتتعامل بمنـطق الاستقـرار في بيئة غير مستقرة، تتعامل مع مشكـلات الشـعب الثائر بالوعود وبالقطعة وبيد رخوة داخـل قـفاز ناعم. يقول الباحث المتخصص في شؤوننا: إن هذه النخبة، بأوضاعها الراهنة وأوجه قصورها المتعددة وخلافاتها، لا تصلح بأي شكل لمواجهة عنـاد المؤسـسات العتيدة التي ترفض أن تستجيب لمطالب التغيير ومنطق الثورة، الأمر الذي يجعل الميادين والشوارع البديل الأوحد لمواجهة المؤسسات المناهضة للتغيير والتيار المناهض للحداثة والتـنوير في آن واحد.
عندما نعرف أن مراكز صنع السياسة في الخارج توصلت إلى هذه النتيجة لا يحق لنا أن نتفاجأ بأن دولاً عديدة، خاصة في الغرب، تعيد النظر في مواقفها من مصر تحت حكم تيار الإسلام السياسي.
7/2/2013