قراءة كتاب قوس الأزمات الإقليمية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قوس الأزمات الإقليمية

قوس الأزمات الإقليمية

كتاب " قوس الأزمات الإقليمية " ، تأليف جميل مطر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

شرط الاقتراب من حل أزمة مصر

فشلـت الأطـراف كلهـا فـي امتحانـات العاميـن الأوليـن مـن الثـورة. أكثـر القـوى المصريـة مـن تيـارات وأحـزاب تسببـت بسـوء تنظيمهـا أو ركاكـة تكويناتهـا السياسيـة والثقافيـة أو بتخلـف معظـم قياداتهـا وتفاهـة تفكيرهـا، فـي الإسـاءة إلـى بعضهـا البعـض وإلى ثـورة مصـر ومصـر نفسهـا.

تمادينا في تشخيص الأزمة التي نعيش ويلاتها، وتمادينا في توجيه اللوم وتحميل الأطراف الأخرى مسؤولية الأحوال الثلاثة التي وصلت مصر إليها: حال الضياع، وثورة الجياع والحرب الأهلية. والآن يتمادى كل طرف في توريط طرف آخر للدخول في حوار نعرف مقدماً أنه غير مؤهل له، وإن تأهل فهو بالتأكيد غير قادر على الالتزام بما انتهى اليه الحوار. فرقاء الحوار انشغلوا بالدعوات إلى حوار غير ممكن، بينما الناس يزدادون ضياعاً والجوعى جوعاً والمتقاتلون شجاراً وصداماً بدرجات متصاعدة من العنف.

أكتب هذه السطور مطمئناً إلى أن اسوأ ما خبأه القدر، أو دبرته المؤامرة أو تسبب فيه جهل وجشع وسذاجة أطراف في الأزمة، قد مر وهو الآن وراءنا، وأن ما هو قادم أقل سوءًا أو أقل شراسة. أستند في اطمئناني، ولا أقول في تفاؤلي، إلى أمور عدة تظهر أمامي في شكل حقائق جديدة تنسج خيوطها خيطاً بخيط. أبدأ بأمر أعتقد أنه الأبرز والأوضح. نعرف أن الحوار صار كلمة أو فكرة سيئة السمعة. سمعنا طعوناً جارحة في محاورين ودعاة حوار، ربما كانوا حسني النية، وشاهدنا خيبات أمل لا تحصى تطل من عيون عديد المحاورين ودعاة الحوار. كثيرة هي الأسباب التي عطلت الحوار أو أساءت إلى سمعته كأداة للاقتراب من الحل، ولكن المؤكد هو أن غالبية الناس فقدوا الثقة في الحوار وفي الدعاة وانفضوا عنه وعنهم.

ننسى أحياناً، وربما عن قصد، أن السمعة السيئة التي لحقت ببعض الشخصيات الداعية للحوار أو المنظمة له أو المشاركة فيه، جاءت نتيجة الحملات اللاذعة التي تبادلها أطراف الأزمة السياسية المصرية على امتداد عامين. أقابل أجانب، عرباً أو فرنجة، أغلبهم مندهش لحجم الإساءات التي ألحقها كل طرف بالأطراف الأخرى. سمعت أحدهم يؤكد أنه، وبعد أن سمع ما سمع من إساءات وتهم وإدانات، لو كان مواطناً مصرياً لاحتار في اختيار من يمثله في انتخابات رئاسة أو برلمان. أكثرية الأسماء السياسية المطروحة في الساحة لوثتها الحملات المتبادلة. بعضها فقد أرصدة بذل في جمعها دماً وجهداً ومالاً وفيراً على امتداد عقود وتأتي في صدارة هذا البعض أسماء عديدة في قيادة جماعة «الإخوان المسلمين» وأسماء عينت نفسها رموزاً لتيارات سياسية أخرى.

لم يعد يوجد على مسرح السياسة في مصر من السياسيين الذين يحظون بثقة الشعب عدد يسمح بإجراء حوار مثمر ورشيد. لقد كان للثورة المصرية الفضل في أن انكشف للمصريين أسوأ ما في النفس السياسية المصرية وأسوأ ما في مؤسسات الدولة. بل ولم يعد خافياً أن فشل تجارب الحوار أو الدعوة له خلال الشهور الماضية، أكد الشكوك الرائجة حول صعوبة العثور على قيادات تمارس الحوار وفي الوقت نفسه على «وسطاء» أكفاء للتقريب بين وجهات النظر المتباينة حول أزمة السياسة في مصر.

***

Pages