You are here

قراءة كتاب دراسات في النص الشعري العباسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دراسات في النص الشعري العباسي

دراسات في النص الشعري العباسي

كتاب " دراسات في النص الشعري العباسي " ، تأليف د.أحمد علي الفلاحي ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار غيداء
الصفحة رقم: 8

وهل هناك حقيقة أكثر بلاغة من هذه الدعوة للتعبير عن جوهر الدين الاسلامي، فإذا كان الشر والحسد في صدر المسلم ولم يأمن الضعيف، فهل لرب العباد حاجة لصلاة العبد؟.

وإن فقدانه الثقة في صدق بعض العلماء جعله يدعو الناس إلى أن عمل الخير أفضل من اللهاث خلفهم كونهم لا يقدمون للناس نفعاً، فيقول:

عليك بفعل الخير لو لم يكـن له

من الفضل إلاّ حسنه في المسامع

لعمرك ما في عالم الأرض زاهد

يقيناً ولا الرّهبان أهـل الصوامع([42])

وإن كانت دعوته لا تخلو من التشاؤم والتعميم نتيجة ما لاقاه من بعض العلماء إلا أنه يحاول أن يذكّر المجتمع بحقيقة الاسلام، والى فهم ما جاء به النبي محمد ÷، بعد ما أدرك هو جوهر الاسلام، وأن المؤمن الصادق ليس كغيره ممن أدعى الايمان، فيقول:

دعاكم الـى خيـر الأمـور محمدٌ

وليس العوالي في القنا كالسوافلِ

حداكم على تعظيم من خلق الضحى

وشُهب الدجى من طالعاتٍ وآفلِ

وألزمكـم ماليـس يعجـز حملـه

أخا الضعْف من فرضٍ له نوافل([43])

وبعدما خالط الناس واكتوى بنيران مكرهم وغدرهم، راح يصف للمجتمع المعاني النبيلة والأعمال الخيرة التي يجب أن يتزينها المسلم المؤمن، والابتعاد عن شر الناس الذين لم يجن منهم سوى الكذب والنفاق، وأن صحبتهم لا تثمر سوى الذم والألم، حيث يقول:

أكرمْ ضعيفك والآفـاقُ مجدبـة

ولا تهنه ولوْ أعطيتـه القوتـا

وجانب الناس تأمن سوء فعلهـم

وأن تكون لدى الجلاّس ممقوتا

لابدّ من أن يذموا كل من صـــحبوا

 

ولو أراهم حصا المغراء ياقوتا

وقضِّ وقتـك بالتقـوى تجوِّزُه

حتى تصادف يوماً فيه موْقوتا([44])

وهل هناك دعوة إيمانية أفضل من هذه الدعوة وهذا الصدق، وهذا السمو والاخلاص والانسانية في هذه الدعوة الاسلامية الايمانية، وهذا التشرّب الحقيقي لروح وتعاليم الاسلام، واستغلال الوقت بلذة العبادة بدلاً من اللهو والعبث، فهذا يعكس صدق إيمانه وزهده عن الدنيا، وهل هناك أنبل من إكرام الانسان لأخيه الانسان المضطر والملهوف مع الشعور بالرضا والسعادة وعدم مسه بألم أو أذى، وهذه الدعوة جاءت متأثرة بقوله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ([ 45]) وقوله تعالى:(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)([46]).

ويتجسد إيمانه وصدق نياته بدعوته الى فهم وإدراك معاني القرآن الكريم، ولاسيما سورة الفاتحة التي تحمل كثيراً من المعاني الاسلامية، و قد أطنب المفسرون كثيراً في شرحها وذكر فضائلها، و أن فهمها واستيعاب معانيها أفضل من مجالسة الناس وبعض المتدينين الذين لم يستطيعوا الارتقاء بأنفسهم ليكونوا مثالاً حسناً لغيرهم، إذ يقول:

أمُّ الكتاب إذا قوَّمت مُحكمهـا

وجدتها لأداء الفرض تكفيكا

لم يشف قلبك فرقان ولا عظة

وآية لو أطعت الله تشفيكـا([47])

وهذا يعكس مدى فهمه وتعمّقه في استيعاب معاني القرآن، وأنه أدرك ما أدركه الأوائل من كيفية العبادة، و لا سيما سورة الفاتحة؛ لأن في فهمها وادراك معانيها شفاء للصدور وطريق الاستقامة والعبادة الحقة.

لذلك نراه يزهد الناس والدنيا، ويقرر الاعتزال والتفرغ الى العلم والعبادة؛ لأنه فهم الناس، و هم في الدنيا اثنان لا ثالث لهما، إذ يقول:

اثنان أهل الارض ذو عقل بلا

دينٍ وآخر ديّن لا عقل له([48])

لقد ادرك المعري عجز هؤلاء عن التفكر والتدبر في فهم العبادة أو القيم الانسانية في الدين، فهو قد آمن بوحدانية الله وعظمة هذا الدين لكن ليس بالظن والاتباع إنما بالعقل والتدبر، فالمؤمن العارف أفضل من المؤمن الجاهل إذ يقول:

كذَب الظنُّ لا إمامَ سوى الـ

ـعقل مشيراً في صُبحه والمساءِ([49])

Pages