You are here

قراءة كتاب دراسات في النص الشعري العباسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دراسات في النص الشعري العباسي

دراسات في النص الشعري العباسي

كتاب " دراسات في النص الشعري العباسي " ، تأليف د.أحمد علي الفلاحي ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار غيداء
الصفحة رقم: 10

زهده عن الدنيا ونقده المجتمع:

نهج المعري منهجاً خاصاً، وأختط لنفسه مسلكاً واضحاً في طريقة عيشه وتفكيره، ونظرته الى الحياة، وكانت له فلسفته الخاصة في الحياة فعاش حياة الزهاد الورعين ولبس خشن الثياب، وزهد في طعامه وشرابه، فكان يقول إن طعامه العدس والتين، أو كما سماها البُلْس والبَلس:

يُقنِعُني بُلْسُـنٌ يُمارَسُ لـي

فإن أتَتْني حلاوةٌ فبَلـس

فلُسَّ ما أخترتَ إنّ أرْوَحَ مِن

يَسار قارون عِفّةٌ وَفَلْس([53])

وهذا الزهد وليد نفسه الحرة وقناعته بما لديه عما في أيدي الآخرين وصغر الدنيا في عينيه، وهذا يعبر عن نفسٍ مؤمنة زاهدة، وربما أثر في ذلك أصابته بالعمى في صباه وفقدانه الإحساس بالسعادة لعدم قدرته على التعايش مع مجتمعه، فهو لم يتكسب بالشعر، ولم يمدح أحداً تملقاً أو طلباً للمال، إذ رفضت نفسه الأبية ذلك وسلك مسلك العلماء والزهاد، فعمل بما علم فنراه يقول في مقدمة سقط الزند (ولم أطرق مسامع الرؤساء بالنشيد ولا مدحت طلباً للثواب، وإنما كان ذلك على معنى الرياضة وامعان السّوس)([54]).

وزهد عن الدنيا وملذاتها، فقد روى أبو طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني، فقال: (حدثنا أبو محمد عبد الله بن الوليد بن غريب الأيادي: دخلت على أبي العلاء وأنا صبي مع عمي أبي طاهر نزوره فرأيته قاعداً على سجادة لِبْد وهو شيخ)([55]). وقال عنه صاحب مسالك الأبصار إنه (رفض الدنيا وما سلم وفرض غاياتها فعمل بما علم، وتداوى باليأس من مطامعها وذارى الناس بترك حظّه لهم، ومع هذا ظُلِم، نفض يديه من الدنيا وساكنيها وخفض لديه قدر محاسنها، وانقطع في بيت كان له بالمعرة لا يخرج منه إلاّ إلى مسجده، وأخذ نفسه بالقناعة حتى صارت جُنة تقيه المطامع)([56]).

وقد نُقل عنه أنه قال (إن الذي يجب لي في السنة نيّف وعشرون دينار فإذا أخذ خادمي بعض ما يجب بقي لي ما لا يُعجب)([57]).

والروايات التي تدل على رفضه اليسر والغنى كثيرة، كما أن الروايات التي تثبت زهده وابتعاده عن متاع الدنيا كثيرة أيضاً، منها ما رواه القفطي من أنه (سمع الجماعة يوماً يذكرون بطيخ حلب، فتكلّف وسيّر من ابتاع له منه حملاً وأحضرهم إياه، فأفردوا له منه عدداً يسيراً وتركوه في سرداب له كان إذا أراد الأكل نزل إليه وأكل مستتراً، ويقول الأعمى عورة والواجب استتاره في كل أحواله، ولما كان بعد أيام نزل خادمه إلى تفقّد المغارة، ووجد البطيخ لم يعرض له وقد فسد، فراجعه في ذلك فلم يُجبه، واستدل الجماعة بذلك على أنه ما كان يتفكه)([58]).

لذلك فهو اعتزل الدنيا والمجتمع، وحاول أن يرسم ملامح ذاته ومجتمعه في أدبه؛ لأن الأديب لابد من أن يتأثر بمحيطه وبيئته الثقافية والاجتماعية مع ملاحظة التباين في النفسيات والمواقف، لذلك نرى أن أبا العلاء قد تسامى بنفسه عن واقع الحياة آنذاك،وكان نقده لمجتمعه والتوجيه والإرشاد تعرية حقيقية لذلك المجتمع وسلوكياته.

Pages