كتاب " مقالات في الأدب الفكر والشعر والسير " ، تأليف د.
You are here
قراءة كتاب مقالات في الأدب الفكر والشعر والسير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
زوايا مخفيةٌ في أدبِنا العربي
لا يمكنُ لأحدٍ مهما كان أن ينسى فضلَ الشاعر أبي تمَّام في صنعتهِ واختيارهِ لكتابه الحماسة. ذلك الكتابُ الذي يعدُّ مفخرةً أدبيةً ونقديةً في التبويبِ والتنظيمِ، والاختيارِ، والابتكارِ. بدليل كلِّ تلك الدراسات التي تناولتْ الكتابَ وشرحتَهُ، وكلِّ تلك المسميات المتشابهة، والخطط الممنهجة التي جاءتْ بعد الكتاب وحملتْ أسمه.
ولكن، ألا تستحق منا تلك الكتب القراءة، والاحتواء، والعناية. وقد كَتب فيها الدكتور عبد الله عسيلان كتاباً قيَّماً سمَّاه(كتب شروح الحماسة)، ومن قبله أو معه كتب الدكتور محمد حسن نقشة صنو هذا العنوان أو شبيهه وزاد عليه(دراسة نقدية). أفلا يكونُ الجراوي التادلي صاحب الحماسة المغربية الذي نساهُ وتناساهُ الجميع من بين يستحقون الذكر، والإشادة، والدراسة؟!
وكيف يمكن أنْ نغفلَ الجاحظَ وأثرَهُ الأدبي والفلسفي والفكري والاجتماعي في موسوعاتِهِ، ورسائلِهِ، ومختاراتِهِ، وشعرِهِ، وتصانيفِهِ. ولكن، هل هو الوحيد الذي لقُّب بهذا اللقب من علمائنا الأجلاء القدامى؟ هناك جاحظٌ آخر من علماء القرن السادس الهجري - تقريبا-، وهُو عالمٌ وأديبٌ أيضاً. وصاحبُ كتابٍ رائعٍ وقيّمٍ سمّاه (سحر البيان الحاكي قطع الجنان)، لما يزلْ مخطوطاً في معهد المخطوطات العربية بالقاهرة تحت رقم 463أدب. إلى الآن لم يشرْ أحدٌ من الباحثين والدارسين والمحققين في الأدبِ العربي وبلاغتِهِ ونقدِهِ إلى هذا الكتابِ وما فيه من أمورٍ علميةٍ ومنهجيةٍ، وآراءٍ، وشعرٍ، ونثرٍ. ولم يفكر أحدٌ في تحقيقه وإخراجه للناس على الرغم من التطور الهائل والكبير الذي أصابَ علمَ التحقيقِ، وكثرة المحققين - الأصلاء والسرّاق!-، وكثرة دور النشر والمطابع - الأصيلة والهزيلة! - ولا أدري لماذا؟!
القاضي الجرجاني، عالمٌ وناقدٌ ومصنفٌ جليلٌ. صحيح هو لم يكن منصفاً في أحكامه النقدية التي قالها في المتنبي في كتابه الشهير (الوساطة بين المتنبي وخصومه)، إلا إن فكرةَ الكتابِ وعنايتِهِ بهذا الشاعرِ الكبيرِ جلبَ له كلَّ تلك الشهرةِ والسمعةِ الحسنةِ بين الناقدين والمفكرين والمصنفين في القرن الرابع الهجري.
والجرجاني شاعر وله ديوانٌ مطبوعٌ طبع وحُقق في بغداد، ودمشق، والقاهرة، والكثير منا تجافى عن هذه الحقيقة العلمية المهمة، التي لا يمكن تجاهلها أو نسيانها لأيِّ سببٍ من الأسبابِ، فلماذا التقصيرُ ولماذا الإنكارُ والتجاهلُ، لا أدري ولا أعرف؟!
وما قلناه عن الجرجاني من سعة علمٍ، وإحاطةٍ، وحسٍّ نقدي، وتصنيفٍ منهجي يستحقُ الاهتمام والذكر، نقوله بشكلٍ أكبر على الناقد والأديب والمصنف والإخباري والشاعر أبن رشيق القيرواني صاحب الكتاب الأشهر (العمدة في صناعة الشعر وأدبه ونقده)، ذلك الكتاب النقدي الفريد الذي حوى أكثرَ الآراءِ النقديةِ، وأهمها. وأوسعَ من المختارات الشعرية والنثرية للشعراء العرب إلى وفاة مصنفه في القرن الخامس الهجري، وأبدى التعليقات النقدية الرائعة ووسَّع من آفاق النقد الأدبي العربي في المشرق والمغرب...ولكن، أليس لابنِ رشيقٍ كتابٌ آخر هو (قراضة الذهب في نقد أشعار العرب)، وهو محققٌ مشهورٌ متداولٌ بتحقيق الدكتور منيف الموسى. ونشرته مشكورةً مأجورةً دار الفكر اللبناني ببيروت سنة 1991م؟!فشهرةُ كتاب العمدة - مهما كانت-، لا يمكن أن تحجم من أهمية هذا الكتابِ وفضلِهِ على الأدبِ العربي ونقدِهِ، وشعرِهِ، وأن تترك هذا العلقَ النفيسَ في ظلامٍ مجهولٍ، ونكرانٍ ظالمٍ بلا مسوغٍ أو مبررٍ.
وقسْ أيُّها القارئ اللبيب على هذه الشاكلة الرهيبة من التجني والتهميش عشرات الدواوين العباسية والأندلسية ودواوين الحقب الوسيطة ومجموعاتها الشعرية وحتى وصل الأمر إلى دواوين الشعراء المحدثين، فلا عاد أحدٌ يذكرهم، أو يتناقلُ شعرهم، أو يتحدث عنهم بأيِّ حديثٍ نقدي أو أدبي، أو حتى يحفظ أشعارهم ويُنشدُها أمام الآخرين، ويشددُ على إعطائها المكانة المستحقة علماً وأدباً ونظماً وحفظاً.
من هنا يجبُ أن نعودَ إلى الوفاءِ لمثلِ هذهِ الآثارِ الأدبيةِ، والدواوينِ، والكتبِ، فنحنُ أمة الوفاءِ، ونحن أهلُ الأدب العربي الكبير الذي يعلمنا أن نحفظَ الفضلَ لأهلهِ، والقولَ لصاحبهِ... مهما كان وأينما كان وحيثما كان.
صنعةُ الديوان الشعري العربي وتحقيقُه... عبد الرازق حويزي أنموذجاً