You are here

قراءة كتاب جدي حكى لي...حكاية النسبية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جدي حكى لي...حكاية النسبية

جدي حكى لي...حكاية النسبية

كتاب " جدي حكى لي...حكاية النسبية " ، تأليف د.

تقييمك:
3
Average: 3 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

- سعد : جدي... هل تقصد ضوء المصباح الذي نراه نفسه ؟
- الجَدُّ : نعم، هذا الضوء الذي نراه، ما هو إلا أحد أنواع الموجات الكهرومغناطيسية التي تتداخل مع كيميائيات شبكية العين وتعطينا الشعور بحالة الإبصار.
- سعد: وهل هناك أنواع مختلفة من هذه الموجات الكهرومغناطيسية ؟
- الجَدُّ : نعم، هناك عدة أنواع منها، فعندما تكون أطوال الموجات الكهرومغناطيسية بحدود متر أو أكثر، فإنها تكون ما يعرف بموجات الراديو، أما إذا كانت أقصر من ذلك ( أكثر من جزء من عشر آلاف من السنتيمتر ) فتعرف بالأشعة ما دون الحمراء، بينما تكون طول موجة الضوء المرئي من 40-80 جزء من المليون من السنتيمتر، أما الموجات الأقصر من ذلك فتعرف بالأشعة الفوق بنفسجية والأشعة السينية.
- سعد : جدي... ما الفائدة التي جنيناها من هذا الاكتشاف ؟
- الجَدُّ : لقد استفادت البشرية من تطبيق مبادئ الكهرومغناطيسية في مجالات عديدة مثل: الآلات الكهربائية، والاتصالات الفضائية، والأبحاث النووية، والألياف البصرية والرادار، والاستشعار عن بعد... وغيرها كثير.
- سعد : سبحانه وتعالى { عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }- (سورةالعلق : 5)
- الجَدُّ : إن معظم النتائج التي توصل لها علماء اليونان القدماء في مجال الضوء، كانت نتائج نظرية فقط، حيث لم تتوفر لهم الفرص لدراسة الجانب الحيوي، بينما توفرت لعدد من علماء المسلمين، في القرون الوسطى، يأتي في مقدمتهم الحسن بن الهيثم، وابن سينا.
- سعد : يا لها من نماذج تثلج الصدر، وتبعث على الفخر.
- الجَدُّ : لقد ألَّف الحسن بن الهيثم الكثير من الكتب في مختلف العلوم، ولعل من أهمها ( كتاب المناظر ) الذي وضع فيه نظريته المعروفة التي أصبحت أساس علم البصريات فيما بعد، وهي تنص على أن الرؤية تتم بواسطة الأشعة التي تنعكس من الجسم المرئي باتجاه عين المبصر، وهذا ما أثبته العلم الحديث مخالفًا بذلك العالم اليوناني بطليموس الذي اعتقد أن العين تُخرِج أشعة باتجاه الأجسام للتمكن من رؤيتها.
- سعد : إن تراثنا الإسلامي يزخر بنماذج رائعة.
- الجَدُّ : نعم.. نعم...
- سعد : هكذا إذن الضوء.. الوسيلة الوحيدة التي نعلم من خلالها ما يحدث في الكون...اعتبره السيد ماكسويل... مكون من موجات !
- الجَدُّ : نعم، لقد اعتبر الضوء ظاهرة موجية يمكنها الاهتزاز بأي تردد.. بينما كان اعتقاد نيوتن القديم أن الضوء مكون من جسيمات.
- سعد : يبدو أن طبيعة الضوء لم تكن واضحة آنذاك ؟
- الجَدُّ : نعم لم تكن واضحة، فقد كانت تتقاسم طبيعة الضوء نظريتان، إحداها اعتبرت أن الضوء مكون من جسيمات، وقد نادى بهذه الطريقة نيوتن مع مجموعة من العلماء، وقد نجحت هذه النظرية في تفسير بعض خواص الضوء، بينما أخفقت في تفسير خواص أخرى مثل التشتت والتداخل.
- سعد : حسنًا، النظرية الأخرى !
- الجَدُّ : النظرية الأخرى اعتبرت أن الضوء يتكون من موجات، وقد نادى بها مجموعة أخرى من العلماء على رأسهم ماكسويل، وهي أيضًا تفسِّر بعض خواص الضوء، وتواجه صعوبات في تفسير الخواص الأخرى... بقيت هاتان النظريتان أشبه بخطين متوازيين حتى تبينت الطبيعة المزدوجة للضوء في بداية القرن العشرين.
- سعد : طبيعة مزدوجة للضوء...؟
- الجَدُّ : نعم، لقد اعُتبر فوتون الضوء جسيم وموجة في نفس الوقت.
- سعد : وما معنى ذلك ؟
- الجَدُّ : معناه أن سلوك الضوء قد يبدو كأنه موجة، ولكنه في الوقت نفسه يمكن أن يتصرف مثل جسيم.
- سعد : هل هذا لغز ؟
- الجَدُّ : لا، ليس لغز... ولكنها أفكار العالم الألماني ماكس بلانك، الذي اعتبر أن شعاع الضوء ليس موجي الطبيعة بشكل كُلي، وأن انتقال الطاقة يحدث في رزم منفصلة محددة، لا يمكنها أن تتجزأ إلى ما هو أصغر منها، لكن يمكن أن تنبعث مضاعفات صحيحة منها، وسميت الواحدة منها (كوانتم) وهي كلمة يونانية تعني الكمية أو المقدار.
- سعد : إذن السيد بلانك اعتقد أن شعاع الضوء متقطع وليس متصل.
- الجَدُّ : نعم، وبهذا سقطت مسلمة هامة من مسلمات الفيزياء الكلاسيكية، وهي (مسلمة اتصال الطاقة المنبعثة من جسيم)، فبعد أن كان الاعتقاد أن الطاقة تنبعث بصورة متصلة، كسائل ينسكب من كأس، اعتبرها بلانك.. تنبعث بصورة متقطعة وأشبه ما يكون بطلقات تخرج من مسدس.
- سعد : طلقات مسدس !
- الجَدُّ : لقد استطاع بلانك أن يهز الأوساط العلمية كلها عندما أعلن في عام 1900م أن طاقة الموجات الضوئية تقفز بصورة غير متصلة، وأنها مكونة من أكمام... صدمت هذه النظرية الجديدة الاعتقاد العلمي السائد في ذلك الوقت، ووضعت قواعد " نظرية الكم" التي أدَّت إلى ثورة في الفيزياء وجعلتنا نقترب كثيرًا من فهم أعمق لطبيعة المادة والإشعاع.
- سعد : وما هي "نظرية الكم" ؟!
- الجَدُّ : لقد اُستعمل مفهوم الكم في الفيزياء للدلالة على أن الطاقة ليست كميات متصلة، وأن الطاقة تنتقل على شكل وحدات متناهية الصغر محددة وثابتة الكمية، ذات سرعة ثابتة وهي سرعة الضوء. وأسموها (كمات أو ثابت بلانك) وهي مقدار متناهي في الصغر.
- سعد : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم } - (سورة يوسف: 76)
- الجَدُّ : لقد استفاد العالم الألماني آينشتين من تصور بلانك هذا لحل وتفسير ظاهرة "التأثير الكهروضوئي"، ونال على عمله هذا جائزة نوبل.
- سعد: يتردد اسم هذا العالم كثيرًا على مسامعنا !
- الجَدُّ : بالطبع.. ألبرت آينشتين هو عالم فيزيائي مشهور، ولد عام 1879 في ألمانيا، ومنذ صغره كانت تشغله كثيرٌ من الأسئلة المتعلقة بالكون، كان في طفولته يحب الصمت والتفكير والتأمل، ولم يكن يهوى اللعب كأقرانه، ولم تعجبه طرق التعليم في المدارس لأنها تحصر الطالب في نطاق ضيق، ولا تدع له مجالاً للإبداع.
- الأب : معه حق... أسلوب المدارس يخنق المواهب.
- الجَدُّ : لقد تعلق في شبابه بعلم الطبيعة والرياضيات وبرع فيهما.. أهدى إليه والده في عيد ميلاده العاشر بوصلة صغيرة، كان لها أبلغ الأثر في نفسه، وخاصة إبرتها المغناطيسية التي كانت تشير دائمًا إلى الشمال والجنوب، واستخلص هذا الطفل بعد تأمل عميق أن الفضاء ليس خاليًا، ولا بد أن هناك ما يحرك الأجسام ويجعلها تدور في نسق معين .
- سعد : طفل نابغة.
- الجَدُّ : أخفق آينشتين في امتحان القبول لدراسة دبلوم الهندسة الكهربائية لذا لم يتمكن من الحصول على وظيفة تعليمية، مما أجبره على الالتحاق بوظيفة فاحص فني بمكتب تسجيل براءات الاختراع.
- الأب : كانت فرصة جيدة له لمتابعة جديد الاختراعات.
- الجَدُّ : هذا ما حصل بالفعل، وقد وضع خلال عمله في هذا المكتب العديد من النظريات، التي جعلت من هذا العام عام 1905 عامًا ثوريًا في تاريخ العلم، ونشر ثلاثة أو خمسة أبحاث علمية في غضون أربعة أو خمسة أشهر... مع أنه لم يكن آنذاك في مركز أبحاث أو في جامعة !.
- سعد : سبحان الله.
- الجَدُّ : لقد تطرق في أبحاثه إلى مواضيع مختلفة مثل تفسير الظاهرة الكهروضوئية، والظاهرة البراونية للجزيئات وفي طبيعة المكان والزمان، وفي ديناميكا حركة الأجسام الفردية. وبعد نشر هذه الأبحاث؛ اهتم علماء الفيزياء في مختلف الجامعات السويسرية به وطالبوا بضمه إلى الجامعة.
- سعد : يستحق ذلك.
- الجَدُّ : وهكذا وضع نظرية النسبية بفرعيها الخاصة والعامة، وحاز في العام 1921 على جائزة نوبل في الفيزياء.
- سعد : يا له من عبقري !
- الجَدُّ : إنها عبقرية من نوع مختلف، لأنه لم يكن بتلك السهولة فهم نظريته.. مع أن الجميع أقر بمنطقها.. فقد استطاع آينشتين أن يكتشف علاقات الكون الأساسية ويربطها ببعض، فأضاف للأبعاد بُعدًا رابعًا، وكلٌّ من الزمان والمكان مرتبط بدوره مع السرعة، وأعظم سرعة في هذا الوجود هي سرعة الضوء.. كما اعتبر أنه لا يوجد شيء ثابت في هذا الوجود إلا سرعة الضوء، وسرعة الضوء فقط.. وبذلك مسح نظرية الأثير القديمة من الوجود.
- سعد : يا خسارة...!
- الجَدُّ : أثبت آينشتين أن الضوء ينتشر بسرعة ثابتة، ومهما كانت سرعة حركة المصدر. وتبين أن سرعة الضوء رهيبة، فلا غرابة إذن حين اعتبر ديكارت أن سرعة الضوء غير متناهية، أو حين فشل غاليلو في قياس سرعته، لأنه كان كمن يقيس الكرة الأرضية بالشبر !!.
- سعد : مع هذه السرعة الرهيبة... لا غرابة إذن أن نتحدث مع من هم في أقصى الأرض بنفس اللحظة.
- الجَدُّ : لقد ظلت طبيعة الضوء مبهمة عبر سنين عديدة، وبقي السؤال: ما هو الضوء؟... بغير جواب، إلى أن جاء آينشتين وأجاب عليه، عندما لاحظ أن الضوء إذا سقط على معدن يؤدي إلى سخونة سطحه، فاستنتج أن الضوء طاقة، وأن انتقال طاقة الضوء إلى المعدن هو الذي يؤدي إلى سخونة المعدن. وهكذا أصبح الضوء وحدات من الطاقة! أطلق على هذه الوحدات اسم (فوتونات)، استحق آينشتين جائزة نوبل على عمله هذا.
- سعد : تعني ظاهرة "التأثير الكهروضوئي" التي قلت عنها قبل قليل ؟
- الجَدُّ : نعم، وهي ظاهرة انطلاق الإلكترونات من أسطح بعض المعادن عند سقوط الضوء عليها، كانت هذه الظاهرة قد استعصت على الفهم، وعجزت الفيزياء التقليدية عن شرحها وتعليلها، ولكن آينشتين استفاد من فرض بلانك السابق في إثبات أن طاقة الشعاع التي تسقط على سطح المعدن تكون على شكل دفعات صغيرة، يؤثر كل منها تأثيرًا مباشرًا على الإلكترونات التي تصطدم بها، فتقتلعها من ذرات المعدن، لتتولد منها الكهرباء.
- سعد : يا لها من فكرة ذكية...
- الجَدُّ : لقد أرسى آينشتين رؤية غير مسبوقة للضوء الذي اعتبرته الفيزياء التقليدية عبارة عن موجات كهرومغناطيسية، ليصبح عند آينشتين جسيمات أو كمات من الطاقة ينفصل كل منها عن الآخر، ويتفاعل مع المادة بشكل مستقل.
- سعد : وما مدى استفادتنا من هذه الظاهرة ؟
- الجَدُّ : لقد استفادت البشرية منها أيما استفادة... وها نحن اليوم ننعم بتطبيقاتها في كل المجالات، فهذه الأجهزة الإلكترونية التي تحيط بنا كآلات التصوير، الهاتف النقال، والحاسب الآلي، وغيرها؛ ما هي إلا تطبيق مباشر لظاهرة التأثير الكهروضوئي .
- سعد : شكرًا يا سيد آينشتين... فلولا اكتشافك هذا؛ ما استطعت أن أحصل على جهاز النقال الرائع هذا.. ولا متابعة برامجي المفضلة في التلفزيون.
- الجَدُّ : آلة التصوير التلفزيوني مثلاً... تستخدم هذه الظاهرة مباشرة، فالضوء يدخل من خلال العدسة، ثم يصطدم بالسطح المعدني، فيخلق أنماطًا كهربائية معينة، تتحول هذه الأنماط فيما بعد إلى موجات تلفزيونية تُرسل إلى الجهاز الذي أمامك.
- سعد : هكذا إذن.. موجة الضوء امتلكت خصائص الجسيمات !!
- الجَدُّ : ليس هذا فحسب، بل أكَّدت التجارب على أن الجسيمات بدورها تبدي مسلكًا موجيًا.
- سعد : سبحان الله، الموجة الضوئية أصبحت جسيمًا، والجسيم المادي أضحى موجة.
- الجَدُّ : لا تستغرب يا بني، فالعلم مليء بالغرائب التي تنتظر من يجلي عنها الغبار.
- سعد : سنحاول أن نفعل ذلك... بإذن الله.
- الجَدُّ : أعانكم الله...و نحن في انتظار إنجازاتكم...

Pages