كتاب " الفكر التربوي والتعليمي عند الخطيب البغدادي " ، تأليف د.صفاء داود سلمان التميمي ، و
You are here
قراءة كتاب الفكر التربوي والتعليمي عند الخطيب البغدادي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اولاً: التسلط البويهي:
امتد هذا التسلط 113 عاماً([5]) كان فيه الحكم وراثياً لسلالتهم الزيدية المناهضة للخلافة العباسية، فهم لا يعترفون بهم قادة للمسلمين([6]) لأسباب مختلفة، فسلب الأمراء البويهيون شيئاً كثيراً من سلطة الخليفة[*] العباسي ولم يبق له إلا الاسم، فمقادير الخلافة وقراراتها وأخبارها وإدارة شؤونها يقررها البويهيون([7]).
ولم يتردد البويهيون من الإيذاء، والتنكيل والإقصاء للخلفاء العباسيين منذ سيطرتهم على العراق فمثلاً حمل المستكفي[**] (ت338هـ/949م) من دار الخلافة جهراً أمام الحاضرين إلى دار معز الدولة، فاعتقل، وسُمِلَتْ عيناه، وبقي معتقلاً فيها حتى وفاته واستأثروا بكل مقاليد الحكم، واضطربت أحوال الخلافة العباسية، وصارت الوزارة لهم والأعمال تصدر عنهم وإليهم([8]).
لقد اعتمد البويهيون أسلوب الإقصاء، والتنكيل بالخلفاء كما حدث مع الخليفة المطيع لله[*] (ت364هـ/974م)، فدعاه سبكتكين[**] حاجب معز الدولة إلى خلع نفسه، ومبايعة ولده الطائع[***] (ت393هـ/1002م)، فخلع نفسه([9])، فمكنهم هذا من تركيز نفوذهم، وسيطرتهم على الدولة والمجتمع فعملوا على تشجيع التناحر بين المسلمين أنفسهم، وغيرهم كتلك الفتن التي وقعت في الأعوام (398هـ/1007م، 407هـ/1016م، 408هـ/1017م، 422هـ/1030م، 441هـ/1049م) فلجأ المواطنون إلى بناء الأسوار حول أمكنة عملهم، وعيشهم لتحصين أنفسهم من الغارات المفاجئة التي تحدث([10]).
ورافق الأحداث هذه ظهور قوة العيارين[*] ذات الانتماءات الفئوية المختلفة، فمنهم العباسي، والعلوي، وقوتهم تزداد وتضعف حسب الأحوال السياسية العامة في البلاد([11]). فارتفعت أسعار المواد الغذائية لأسباب مختلفة، فصعب على الناس شراؤها، فاشتدت المجاعة بينهم، فلجأوا إلى أكل ما هو غير مرغوب وغير معتادين عليه([12])، فأحدثت الأزمة المالية في البلاد لخراب الزراعة وقيام الإقطاع العسكري الذي أوجده البويهيون وساروا عليه فهو قد أضعف همة الفلاحين في زراعة الأرض وإصلاحها، فكان فساداً اقتصادياً فكثرت الضرائب، واضطرب الأمن([13]).
ولم يكتف البويهيون بذلك بل أنهم شاركوا الخلفاء في مراسيمهم الخاصة بهم بقرع الطبول على أبواب منازلهم عند الصلاة، والأعياد وعقد الألوية لهم وسك أسمائهم على النقود، والخطبة لهم في الصلاة، والتلقيب بملك الملوك، ولم يبقوا للخلافة شيئا إلا اسمها([14])، وتلك الألقاب لم يألفها العرب المسلمون من قبل، ونتيجة الاستئثار بالسلطة والمغانم تولدت الصراعات، والحروب بين السلاطين أنفسهم كما حدث في واسط عام (411هـ/1020م) فسببت المشاكل الاقتصادية لهم وللسكان، فبيع كُر[*] الحنطة بألف دينار، وتوقف ذهاب الناس إلى الحج([15]).
إن العلاقة المتردية بين الخلافة، والبويهيين لم تمنع من محاولة الود، والمصاهرة بينهم، فتزوج الخليفة القادر بالله ابنة عضد الدولة([16])، ولكن ذلك لم يمنع من حدوث الأمر المحتوم، في زوال تسلطهم بسبب تردي وضعف أوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، خاصة بعد أن توسع السلاجقة في إيران وأضحى نفوذهم قوياً هناك، فتقدموا بقيادة طغرلبك[**](ت455هـ/1063) بالزحف إلى بغداد بجيش لينهوا حكم البويهيين في عام (447هـ/1055م)([17])، فاستسلم آخر ملوكهم الملك الرحيم[***] إلى طغرلبك الذي أرسله أسيراً إلى قلعة (طبرك) في الري وسجنه فيها حتى وفاته عام (450هـ/1058م)([18]).