You are here

قراءة كتاب المسرح والقضايا المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المسرح والقضايا المعاصرة

المسرح والقضايا المعاصرة

كتاب " المسرح والقضايا المعاصرة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

الأدب المسرحي التعبيريوالقضايا المعاصرة

مع بداية القرن العشرين بدت تلوح في ألمانيا حركة ثورية ونزعة فنية وأدبية حيث جاءت هذه الحركة معادية للمذهبين الطبيعي والتأثري، كما شاركت المدرسة الرمزية الكثير من منطلقاتها لاسيما ذلك المفهوم الذي ينظر للعالم بوصفه إسقاطاً ديناميكيا للذهن البشري، وقد عرفت هذه الحركة فيما بعد بالتعبيرية، وهي ترمي إلى تمثيل الأشياء كما تصورها انفعالات الفنان أو الأديب نحوها لا كما هي في الحقيقة والواقع. ففكرتها في الأساس هي أن الفن ينبغي أن لا يتقيد بتسجيل الانطباعات المرئية، بل عليه أن يعّبر عن التجارب العاطفية والقيم الروحية، فالتعبيريون يسعون إلى ما وراء قناع المظاهر الذي تتستر وراءه الأشياء في الطبيعة(1)، وهم بذلك يختلفون عن الطبيعيين الذين يعملون على تصوير ومحاكاة الواقع الخارجي بشكل مفصل، ويختلفون أيضا عن أتباع الأسلوب ألتأثري الذين يتشكل الانطباع لديهم نتيجة للتأثيرات التي تأتي إلى الفنان أو الأديب من الخارج.

في عام 1911م استخدم (كورت هللر) مصطلح التعبيرية للمرة الأولى ليصف به بعض الشعراء الألمان وأعمالهم، فقد كان هؤلاء الأدباء من وجهة نظره يهتمون في الأساس بالمضمون والإرادة والموقف الأخلاقي، لأن التجربة الداخلية للفنان والأديب لا بد من أن تظهر على السطح في شكلمستفز في أغلب الأحيان أي من خلال التعبير عما يدور في داخله(2).

اعتقد التعبيريون أن الحقيقة الأساسية يمكن اكتشافها في دواخل الإنسان، أي في روحه ورغباته ورؤياه، وأنه يجب صياغة حقيقة الواقع الخارجي صياغة تتفق مع نزعات الروح، وبذلك تبقى الأولوية عند التعبيريين للحافز الذاتي وليس للمظهر الموضوعي.

وقد اصطبغ الفن والأدب عند التعبيريين بمشاهد الحرب وانهيار العالم، وكانت الموضوعات السائدة هي رؤى نهاية العالم والطوفان ويوم القيامة، وتصاعد تصوير هذه الموضوعات إلى درجة الحماسة الملتهبة، وسيطر على الأسلوب الفني البحث عن إنسانية جديدة والرغبة في التغلب على الاحباطات، ونادى الأدباء في برامجهم بتأكيد رفض الحرب وكل مظاهر العنف، ومحاولة تحسين العالم من خلال التفكير السلمي والمشاعر المكثفة.

ظهرت التعبيرية في ميدان الدراما بعد أن ظهرت في ميدان الرسم وذلك لوصف التعبير عن المشاعر الداخلية تمييزا لها عن رسم الأشكال الخارجية، وقد اختلف مؤرخو الأدب المسرحي في المؤلف الذي كتب لأول مرة نصاً مسرحياً تعبيرياً، فمنهم من أشار إلى أن (فرانك ودكند) كان أول من قدم نصا تعبيريا من خلال كتابته لمسرحية (اليقظة المبكرة) عام 1906م حيث استخدم فيها الأقنعة وكتبها بأسلوب خطابي ممتلئ بالمونولوجات الطويلة.

إن التعبيرية تصور لنا وعي الفرد وضميره والصراع الباطني والحالات الداخلية التي لا يمكن تمثيلها على المسرح بطريق مباشر، ولذلك كانت المناجاة من أهم مظاهرها، فهي تمثل طبيعة الدرب الذي يسلكه وعي الإنسان: صور وأطياف تتدفق بدلا من الأفكار المنطقية المعقولة، وكلمات وعبارات خاطفة وجمل مبتورة بأسلوب تلغرافي، والظاهرة الأخرى التي يمتاز بها المذهب التعبيري هي التجريد الذي يتجسد من خلال الشخصيات التي لا أسماء لها وهي تمثل فئة بعينها، فالتعبيرية هي محاولة التعبير عن المعنى الذي يكمن وراء الواقع(3).

تقوم المسرحية التعبيرية على شخصية رئيسة محورية (تعاني أزمة روحية أو ذهنية أو نفسية، على أن نرى البيئة والناس في المسرحية من خلال نظرة تلك الشخصية الرئيسة إليهما)(4)، ويهتم المؤلف في تقنيته الدرامية ببناء تلك الشخصية بناءً يتناسب مع واقعها الذي هو صورة عن واقعه النفسي والاجتماعي حيث تعبر تلك الشخصية عن مرحلة مهمة من معاناته، أو عن موقفه السياسي تجاه قضية معينة. وتفتقد الشخصية التعبيرية للأبعاد المتعارف عليها للشخصية في المسرح الواقعي، فهي شخصية حلمية مقطوعة الجذور.

ويأتي البطل في الأدب التعبيري على صورة إنسان شاب يكون ثائراً على القدر والبيئة، حيث تبدو من خلال مواقفه الفكرية سيطرة الأنا المركزية، مما يترتب على ذلك الاستغناء عن وحدة الحدث وإحلال وحدة الأنا بدلاً منها، وبما أن وظيفة الشخصية في المسرح التعبيري تكمن في التعبير عن شريحة اجتماعية واسعة لا أشخاص معينين، فإن (المسرحية التعبيرية لا تقدم في العادة أسماء الشخوص والطبقة التي ينتمون إليها، بل تقدم بدلاً منها شخوصاً نمطية يقتصر وجودها على وظيفتهم الأساسية بوصفهم مجرد ممثلين لأنماط وأفكار معينة للإنسان الجديد. فالشخصيات والتصرفات، التي يمكن أن تكون شائعة تعبّر عنها المسرحية التعبيرية من خلال الهوية المجهولة الاسم للشخصيات. والإنسان الفرد يلقي مونولوجه بوصفه ممثلاً لمجموعة من البشر، حيث تدعو أخلاقه الناس إلى تقليده)(5)، فقد جاءت الشخصيات التعبيرية نماذج لا أفراد عاديين حيث يسمون بأسماء رمزية مثل الملك، مستر صفر، الرجل، المرأة، الشاعر، الشرطي...الخ.

Pages