You are here

قراءة كتاب الحكم العطائية شرح وتحليل - المجلد الثالث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحكم العطائية شرح وتحليل - المجلد الثالث

الحكم العطائية شرح وتحليل - المجلد الثالث

كتاب " الحكم العطائية شرح وتحليل - المجلد الثالث " ، تأليف محمد سعيد رمضان البوطي ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

الحكمة الخامسة عشرة بعد المئة

«لما علم الحق منك وجود الملل، لوّن لك الطاعات، وعلم ما فيك من وجود الشره فحجرها عنك في بعض الأوقات، ليكون همّك إقامة الصلاة لا وجود الصلاة، فما كل مصلّ مقيماً»

مرة أخرى أذكرك بأن ابن عطاء الله إنما يخاطب، في أكثر حكمه هذه، المؤمنين الباحثين عن الطريق الموصل إلى الله، وقل أن تجده يناقش جاحداً أو يخاطب مرتاباً في الله عز وجل.

وهو في هذه الحكمـة، يلفت النظر إلى الحكمـة من تنويـع الله عز وجل الطاعات، وإلى الحكمة من منعك منها، لاسيما الصلاة في بعض الأوقات.

أما التنويع فلأنه سبحانه وتعالى علم أن الإنسان من شأنه أن يدركه الملل مما يلازمه بالاعتياد والتكرار، وذلك مظهر من مظاهر ضعفه. فهو لو كلفك من الطاعات بالصلاة وحدها في مكان سائر الطاعات والعبادات الأخرى، لأدركك من ذلك الملل، ولربما شعرت بأنك قد أشبعت حاجة من حاجات نفسك إلى العبادة والتقرب إلى الله، ولكنك لم تشبع حاجات نفسك الأخرى. إذ العبادات المختلفة كالأغذية والأطعمة المتنوعة، لكل منها متعة مختلفة ومذاق مختلف، بل لكل منها أثر من الفائدة في الجسم، لا ينوب عنه في ذلك غيره. فلو وضعك الله من أنواع الأطعمة كلها أمام طعام واحد لا تحيد عنه، إذن لأدركك الملل منه، خلال مدة قصيرة من الزمن، ولتطلع جسمك إلى حاجات أخرى من التغذية لا يستقل النوع الواحد بتحقيقها.

كذلكم العبادات، نوعها الله لك، وندبك إليها جميعاً، كالصلاة، والذكر، وتلاوة القرآن، والصوم، والحج، وكالتفكر في مخلوقات الله، كما شرحنا في الحكمة السابقة، بل إن الله عز وجل وضعك منها أمام آفاق لا حصر لها. إذ أعلمك أن كل ما تسعى لتحصيله، من مصالح دنياك، لنفسك أو لأي من أهلك وأولادك، أو لأي من إخوانك في الله، قربات وعبادات يتقبلها الله منك مأجورةً؛ إن أنت قمت بها على النحو المشروع، وقصدت بها التقرب إلى الله.

وقد مرّ بك حديث رسول الله عن الرجل الذي خرج باكراً إلى كسبه، إذ قال أحد أصحابه عنه: ويح هذا لو كان جَلَدْه في سبيل الله، فأجابه رسول الله قائلاً: إن كان خرج يسعى على أبوين شيخين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى ليعف نفسه وأهله، فهو في سبيل الله.. الحديث.

إن العبادات ليست محصورة إذن في أنواعها التي لا يقبل المسلم إليها إلا ابتغاء مثوبة دينية كالصلاة والصوم والحج والأذكار، بل هي تشمل كل ما تبتغى منه مصلحة دنيوية لطعام وشراب أو لمسكن أو نحو ذلك، إن صفا القصد إلى ذلك عن الأهداف والغايات النفسية التي حرمها الله.

وهكذا فإن المؤمن الذي اتجه منه القصد دائماً إلى مرضاة الله تعالى، أينما سار، وكيفما فعل، وحيثما

تقلب، لا يخرج من محراب عبادته وعبوديته لله، وهيهات أن يدرك الملل من العبادة من كل هذا شأنه. ذلك لأنه يعيش منها داخل ما يشبه بستاناً تنوعت ثماره وطعومه وألوان زهوره ووروده، ومظاهر خضرته، وعبق رياحينه، فهو منها ، كل يوم أمام جديد، فأنى ولماذا يداخله الملل منها؟..

* * *

أما الحكمة من حجره عز وجل عنك بعض الطاعات، في بعض الأوقات، فهي - كما قال ابن عطاء الله - أنه عز وجل علم أن العبد الذي ذاق لذة معرفته لربه، وعاش تائقاً إلى مرضاته وسعادة لقائه، شغوف بالإكثار من العبادات شره إلى الدوام عليها والتكرار منها، لاسيما الصلاة التي قال عنها رسول الله علية الصلاة والسلام : «وجعلت قرة عيني في الصلاة».

غير أن هذا الشغف منه بالدوام عليها والتكرار لها، قد يعرضه إلى آفتين اثنتين أو إلى واحدة منهما.

Pages