قراءة كتاب العلمانية والحداثة والعولمة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العلمانية والحداثة والعولمة

العلمانية والحداثة والعولمة

كتاب " العلمانية والحداثة والعولمة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

س: ما هي نقطة البداية، ومن أين انطلقت رؤيتك للكون والحياة؟

ج: حينما أتأمل حياتي كلها، الخاصة والعامة، أجد أن أهم ما فيها هو وجود عناصر عديدة أدت إلى اكتشافي أن الحياة الإنسانية مركبة ومفعمة بالأسرار والثنائيات والتنوع، وليست بسيطة أو سطحية أو أحادية، وأن الإنسان كائن فريد غير مادي وغير طبيعي مع أنه يعيش داخل العالم الطبيعي/المادي.

ولعل رفض الواحدية وإدراك ثنائية الإنسان والطبيعة/المادة، وما ينجم عنهما من ثراء وتركيب وتعددية، هما مدخلي لفهم العالم من حولي ولفهم الآخرين، ولفهم ذاتي. فأنا أرفض الواحدية (أي أحادية الأبعاد) وكل التنويعات عليها: الجوهر الواحد- البعد الواحد- عبادة الطبيعة- عبادة التكنولوجية- عبادة العقل- عبادة العاطفة- عبادة المثالية الخالصة- عبادة الروحية الخالصة، أرفض كل هذه الأمور إن جاء كل واحد منها على حدة، فهي كلها عناصر متكاملة متناقضة، تكون هذا الكائن الفريد: الإنسان الذي يقع في نقطة تقاطع بين كل هذه العناصر، والتقاطع هنا يعني التركيب كما يعني الحدود، فالطبيعة تضع حدوداً على التقنية، والمثالية على المادية، والجسد على الروح، والدنيا على الآخرة، والسياسي والمعرفي والتاريخي والنسبي والزمني على المطلق الواحد. ولعل فكرة التقاطع هذه تفسر تفضيلي شعر وليام بتلر ييتس على شعر ت. س. إليوت، فالأول نجح في أن يكتب قصائد عن النقطة التي تتقاطع فيها الأسطورة مع التاريخ، أما إليوت فقد اقترب كثيراً من عالم الأسطورة، وابتعد عن عالم التاريخ. وأعتقد أن غرامي بشعر محمود درويش يمكن تفسيره في الإطار نفسه، ومع هذا أعشق شعر صلاح عبد الصبور الذي يركز على نكبة الإنسان الكونية، ولا تفلح أي إنجازات تاريخية، في تخفيف حزنه العميق.

ويتبدى التقاطع هذا من ناحية في عدم إنكاري الدنيا وضرورة فهمها والتمتع بها، فهي المجال الذي يحقق فيه الإنسان حريته وإمكاناته، والإمكانات التي يحبو الله بها الإنسان هي نعمة تسعده إن اعترف بها وحققها، وهي نقمة تعذبه إن أنكرها وبددها. كما يتبدى التقاطع من ناحية أخرى في محاولتي قدر استطاعتي ألا أُستوعب في عالم المادة تماماً، وألا أذوب في اللذة والاستهلاكية، فهما يدمران حدود الإنسان. وهذا موضوع أساسي كامن في دراساتي وفي كتاب الفردوس الأرضي، الذي يتناول رغبة الإنسان الأمريكي العارمة في أن يحقق الفردوس الآن وهنا، فينكر التاريخ والماضي والمستقبل، ويعيش في اللحظة وحسب، وينكر ما وراء حدود المادة، أي ينكر عناصر التقاطع والتركيب، فينقلب الفردوس إلى جحيم، لأن الإنسان كائن مركب لا يمكنه أن يعيش إلا داخل حياة مركبة لا هي بالمادية الدنيوية ولا بالروحية الآخروية.

Pages