قراءة كتاب العلمانية والحداثة والعولمة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العلمانية والحداثة والعولمة

العلمانية والحداثة والعولمة

كتاب " العلمانية والحداثة والعولمة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

س: تركز في دراساتك على أهمية اعتماد التراحم إطاراً مرجعياً والإصرار على أن ثمة مشتركاً إنسانياً تسميه "الإنسانية المشتركة"، التي يمكن أن تُشكِّل أساساً للتعامل الحضاري والسلمي بين المجتمعات والثقافات المختلفة. فما هي طبيعة الإنسانية المشتركة في فكر المسيري؟

ج: الإنسانية المشتركة مفهوم محوري في رؤيتي، وأحب أن أميز بينه وبين مفهوم الإنسانية الواحدة. مفهوم الإنسانية الواحدة في الحضارة الغربية، خاصة منذ عصر الاستنارة، يعني أن البشر يتسمون بشكل من أشكال التماثل والتشابه والتجانس الكامل. ما يحدث هنا هو عملية مساواة تنتهي إلى تسوية البشر الواحد بالآخر مما يلغي كل الخصوصيات بل والأبعاد المركبة، ويصبح الإنسان الغربي بالتدريج هو المثل الأعلى والنمط الكامل، وعلى الجميع أن يقلدوه ويلحقوا به، مما يعني أن التطور البشري يتبع ما يسمى باللغة الإنجليزية «unilinear paradigm» أي نموذج أحادي الخط، أي إن مسار التاريخ واحد بالنسبة لكل الشعوب، وبأنه سيصل إلى ذروته أو نهايته، حينما تهيمن الحضارة الغربية الحديثة وتتبنى كل الشعوب نموذجها "الحضاري". ومن هنا مفهوم الحقب التاريخية التي تتحقق في كل زمان ومكان بالشكل نفسه، وهو مفهوم سيطر على الرؤية الغربية للتاريخ كما هو الحال عند أوجست كونت وهيجل وغيرهم. بدلاً من ذلك أطرح فكرة الإنسانية المشتركة التي تنطلق من مفهوم إسلامي (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). نلاحظ في هذه الصياغة أنها تؤكد فكرة المساواة لكنها أيضاً تعترف بالاختلاف، فالعربي عربي والعجمي عجمي، لكن ثمة معايير تتجاوز كليهما وهو معيار "التقوى". هذه مسألة أساسية، والحضارة الإسلامية تؤكد دائماً مبدأ المساواة، وتقبل في الوقت ذاته عدم التماثل. ومن هنا نجد على سبيل المثال أسلوباً معمارياً إسلامياً هندياً، وآخر إسلامياً مصرياً وثالثاً إسلامياً سوريّاً، وداخل الأسلوب الإسلامي المصري يوجد أسلوب أيوبي وآخر مملوكي وثالث عثماني. ثمة تنوع ضخم لكن داخل إطار من الوحدة. والإنسانية المشتركة تعني أن هناك مقدرة أو طاقة إنسانية كامنة في كل البشر غير متشكلة، ولكنها تتحقق وتتشكل في أزمنة وأمكنة مختلفة، وتأخذ أشكالاً مختلفة باختلاف الزمان والمكان، فإنسانيتي المشتركة تتحقق داخل الزمان والمكان العربيين، وتأخذ شكلاً عربياً، وإنسانية الصيني تتحقق داخل الزمان والمكان الصينيين وتأخذ شكلاً صينياً، ولكن هذا لا يجُب ما هو مشترك، وهذا مختلف تماماً عن فكرة الإنسانية الواحدة.

فكرة الإنسانية المشتركة، تعني أيضاً أن الإنسان ليس بكائن مادي. هذه الفكرة تدور في إطار ما يسمى بالثورة التوليدية التي تذهب إلى أنه يوجد في العقل أفكار كامنة «innate ideas» لا تُكتسب عن طريق التجربة وإنما تسبقها، فهي ليست معرفة مكتسبة وإنما مفطورة في العقل الإنساني، وهى فكرة تعود بجذورها إلى كانط وطورها تشومسكي وجان بياجيه، وهي تتفق تماماً مع مفهوم الفطرة في الإسلام. كل هذا يقف على طرف النقيض من رؤية لوك، والرؤية المادية التي ترى العقل باعتباره صفحة بيضاء، وأن كل المعرفة مكتسبة من خلال التجربة. فكرة العقل التوليدي هذه تشير إلى شيء غير محدود بحدود المادة وإنما يتجاوزها. بمعنى أنه لا يوجد زمان عام ولا مكان عام، يوجد زمان عربي ومكان عربي، وزمان غربي ومكان غربي، وزمان صيني ومكان صيني، والزمان والمكان يسمان الحضارات المختلفة، على الجميع أن يحترموا هذا الاختلاف مادام داخل فكرة الإنسانية المشتركة.

Pages