You are here

قراءة كتاب مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية

مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية

كتاب " مذاهب الفكر الأساسية في العلوم الإنسانية " ، تأليف بوبكر بوخريسة ، والذي صدر عن منشور

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 5

رغم هذه الصعوبات، يبدو لنا أنه من اللازم أن نبحث عن تفسير للظاهرة الأخلاقية داخل العالم الذي يخضع بالكامل إلى أسباب طبيعية. ولمحاولة تقديم هذا النوع من التفسير، فقد اقترح دوركايم في مؤلفه “الأشكال البدائية للحياة الدينية” (Durkheim, 1912) نشأة اجتماعية (Sociogenèse) للمقولات المعرفية ومنها الأفكار الدينية والأخلاقية. وهو يعتقد أن هذه الأخيرة تنحدر أو تشتق من شعور أولي بالمقدس الناشئ من نوع من تفكير المجتمع حول ذاته، يفرض على الأفراد احترام سلطة الجماعة. واستناد إلى هذا الأصل الجنيالوجي الاجتماعي، ندرك بسهولة أن محتوى الأخلاق الدوركايمية ينبني على مقاييس ومعايير اجتماعية، من مثل: الضبط والتضامن، النزاهة والإخلاص للمصالح الجماعية. وزيادة على ذلك، يسمح لنا مثل هذا الموقف بأن نتملص - بمعنى من المعاني - من النزعة النسبية الأخلاقية. وإذا كان “كل شعب له أخلاقه”، فإن طابع الإخلاص الأخلاقي للمصالح الجماعية، يبدو أنه طابع إنساني عام. وهكذا، يتناقض العلم الأخلاقي عند دوركايم مع مذهبيات علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا، من أمثال ت. بارسونز أو ك. جيرتز (T. Parsons 1902-1977 ou C. Geertz 1926-2006) اللذان [رغم أنهما يفسران الأخلاق بواسطة الحياة الاجتماعية] لا يتوانيان عن المناداة والمطالبة بالنزعة الأخلاقية أو الثقافية النسبية.

يمكننا مع ذلك، أن نعترض على هذا التفسير السوسيولوجي للأخلاق ومحتواها الاجتماعي تحديدا. وفيما يخص النقطة الأولى، تمكّننا الحياة الاجتماعية بكل تأكيد من أن نكشف بعض المواقف الأخلاقية في صورة العناية التي نوليها للغير أو لمصالح الجماعة، على سبيل المثال. لكنه من غير المؤكد، أن هذه الأشكال من الإخلاص ليست سوى نتيجة إكراه اجتماعي يمارس على الأفراد. لأنه لو كان الحال كذلك، فسيكون التمييز الذي نقيمه بين الموقف الأخلاقي والوظيفة الاجتماعية على الأرجح مشوشا. أما بشأن النقطة الثانية، فمن غير المؤكد أن ينحصر تعريف الأخلاق في الاعتبارات الاجتماعية، رغم الأفضلية الاستثنائية التي منحت لها من قبل تيارات النزعة النفعية أو الثقافوية. وفي الواقع، فإن كافة القيم والفضائل ليست اجتماعية بالتأكيد، وإن كانت غالبيتها كذلك. ولكن يبدو جليا أن بعضا منها، مثل: الكرامة، الحرية، الاعتدال، الحزم، الحشمة، التواضع أو التضحية، تعبر عن واجبات نحو الذات الإنسانية التي يتم تحقيقها في الغالب بما يتنافى مع قواعد الحياة الاجتماعية. وفي بعض الظروف، يمكن لكل مخلوق طبيعي أو فوق طبيعي أن يستوجب موقفا أخلاقيا تتخذه الذوات الإنسانية الأخرى.

Pages