كتاب " الليلة الخالدة " ، تأليف الشيخ عبد الكريم تتان ، والذي صدر عن
You are here
قراءة كتاب الليلة الخالدة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ويرى قوماً تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد، وكلما قرضت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء! فقال صلى الله عليه وسلم:
- "ما هذا يا جبريل؟!" قال:
- هؤلاء الخطباء من أهل الدنيا، يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب[25].
يقول عليه الصلاة والسلام: ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأخونة عليها لحم مشرح ليس يقربها أحد. وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحم قد أروح وأنتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت:
- يا جبريل! من هؤلاء؟ قال:
- هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام[26].
ويرى جحراً صغيراً يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال صلى الله عليه وسلم:
- "ما هذا يا جبريل؟!" قال:
- هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة، ثم يندم عليها، فلا يستطيع ردها.
ويرى رجالاً، لهم مشافر كمشافر الإبل، وفي أيديهم قطع من نار كالأفهار[27]، يقذفونها في أفواههم فتخرج من أدبارهم! فقال صلى الله عليه وسلم:
- "من هؤلاء يا جبريل؟!" قال:
- هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلماً.
ويمر الركب على رجال، لهم بطون كبيرة، بسبيل آل فرعون، يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يعرضون على النار، يطؤونهم، ولا يقدرون أن يتحولوا من مكانهم ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:
- "من هؤلاء يا جبريل؟!" قال:
- هؤلاء أكلة الربا.
ويمر على نساء معلقات بأثدائهن، فقال صلى الله عليه وسلم:
- "من هؤلاء يا جبريل؟!" قال:
- هؤلاء اللواتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم.
قال: ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم فيلقمونه، فيقال له: كل كما كنت تأكل من لحم أخيك! قلت:
-"يا جبريل! من هؤلاء؟". قال:
-"هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون"[28].
وفي رواية: "... اللحم ثم يدس في أفواههم، ويقول:"كلوا مما أكلتم، فإذا أكره ما خلق الله لهم ذلك، ولما سأل جبريل عنهم أجاب: "هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون، الذين يأكلون لحوم الناس"[29].
ورأى صلى الله عليه وسلم قوماً، لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال:
- "من هؤلاء يا جبريل؟!" قال:
- هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم[30].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما صام من ظل يأكل لحوم الناس" وفيه تشبيه الوقيعة في الناس بأكل لحومهم، "ومن تنقص مسلماً أو ثلم عرضه فهو كالآكل لحمه حياً، ومن اغتابه فهو كالآكل لحمه ميتاً"[31].
وعبق الجو برائحة طيبة انبعثت فجأة، فقال صلى الله عليه وسلم:
- "ما هذه الرائحة الطيبة يا جبريل؟!" قال:
- هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها! قال صلى الله عليه وسلم:
- "وما شأنها؟" فقال جبريل:
- قد سقط المشط -في يوم من الأيام- من يدها، فقالت وهي تتناوله: باسم الله. وسمعت ابنة فرعون مقالها فسألتها:
- أأبي تقصدين؟! قالت الماشطة:
- أقصد ربي وربك ورب أبيك. قالت بنت فرعون:
- أولك رب غير أبي؟! فقالت الماشطة:
- نعم، ربي وربك ورب أبيك الله.
وبلغ فرعون أمرها فدعاها فقال:
- أي فلانة، ألك رب غيري؟! قالت:
- نعم ربي وربك الله عز وجل.
وراوغها فرعون لترجع عن قولها، فلما أخفق أمر بوعاء من نحاس، فأحمي عليه، ثم أمر بها أن تقذف فيه هي وبنوها، يريد بذلك أن يجتث جذور الأسرة المؤمنة.
ولما أحاط بها الجند يريدون إلقاءها نظرت إلى فرعون بعينين دامعتين، كأنما تطلب أمراً، فقال فرعون:
- ألك حاجة نقضيها لك؟ قالت: نعم. قال: ما هي؟ قالت: تجمع عظام أولادي إلى عظامي في موضع واحد. قال فرعون: ذاك لك، لما لك علينا من الحق. ونبذت في الوعاء الأحمر الحارق، وألقي أطفالها، الواحد تلو الآخر، حتى بلغوا رضيعاً، لا يفقه من أمر الدنيا شيئاً فصاح يلقن الطاغية درساً: إنا على الحق[32].
وبلغ الركب أحد الوديان فسطع منه ريح كريح المسك، وانبعث صوت مع ذلك الريح، فقال صلى الله عليه وسلم:
- "ما هذا يا جبريل؟!" قال:
- هذا صوت الجنة تقول: يارب! ائتني بأهلي وبما وعدتني، فقد كثر غرسي وحريري وسندسي وإستبرقي وعبقريي ومرجاني وفضي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي وفواكهي وعسلي ومائي ولبني وخمري، ائتني بما وعدتني يا رب!.
وقال لها الله سبحانه: لك كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة، وكل من آمن بي وبرسلي، وعمل صالحاً، ولم يشرك بي شيئاً، ولم يتخذ من دوني أنداداً فهو آمن، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضني جزيته[33]، ومن توكل عليّ كفيته، إني أنا الله لا إله إلا أنا، لا خلف لميعادي، قد أفلح المؤمنون، وتبارك الله أحسن الخالقين.
فقالت الجنة: قد رضيت يا رب.