كتاب " عشق السكون كل إمراة هاجر " ، للمؤلفة نورية تشالاغان ، ترجمة
You are here
قراءة كتاب عشق السكون كل إمراة هاجر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
انتظار...
لم يكن النيل, في ذاك العام, يتّسع لمياهه, كانت تزداد تموجاته كلما اقترب من سور القصر, يلطم الأسوار بصفعات مقهورة. نظرتُ بقشعريرة إلى أسوار القصر الغاضبة.
آهٍ أيها النيل, أنت شيء آخر بالنسبة لي, أعتقد بأنك ستعطينني شيئاً ما, ستحضر لي شيئاً ما.. علماً بأنك لا تفعل شيئاً سوى أنك تأخذ أحدنا وترحل. ما هو رقم الشخص البريء الذي ستأخذه الآن؟
كم هي قوية قدرة الخوف.. تسمّرتُ في الأرض...
قال كبير حرّاس القصر: اجتمعوا في التراس, جئت إليكم بأمر.. لقد جلبوا "ألينا" جراً وضرباً إلى هناك, منذ عدة أشهر وهي تعمل في خدمة فرعون, كانت تفعل كل ما بوسعها من أجل تسليته. عجباً ما الذي جرى؟ ما الذي يمكن أن تفعله بحق فرعون هذه الفتاة الصغيرة؟
بداية, عندما طُردت "ألينا" من غرفة فرعون, قام كبير الحرّاس, الذي يعرف جيداً ما الذي سيفعله, بإغلاق فمها. لم يكن من الواجب تحويل الظلم إلى كلمات, أول شيء يفعله الظلاّم هو منع الكلام, فقدرة الكلام كبيرة جداً. الكلام هو الذي يضع يد اللا وجود على الوجود.
نظرت إلى عيني ألينا الملونتين بلون نهر النيل..
لا يمكن للخوف والحقد أن يتّحدا إلاّ داخل هكذا عينين. غرقت في طنين تلك العينين اللتين تصرخان باستغاثات صامتة: لا زلت شابة, أرجوكم لا زلت شابة, أريد أن أعيش.
ضربت أمواج النيل الغاضبة تلك العينين اللتين تراكم الخوف فيهما. تسرّب إلى داخلي كظلام مخيف, أُصبت بالقشعريرة.
لامس كبير الحراس ظهر الفتاة بمحراب كان يمسكه بيده. بداية, سال دم ألينا فلطّخ ثوبها الذي بلون الجلنار والذي تمزّق بالمحراب, ومشى على شكل خط مستقيم, سال دم الفتاة الشابة في البداية على الحجر وبعد ذلك سال على القلوب النازفة بلون الجلنار. كلما كانت ألينا تتقدم من الشرفة كانت تُسرع الخطا كطير يخفق قلبه من الخوف. كانت تريد الهرب من يد الحرس وتخفق بجناحيها وتطير بعيداً. جمدنا جميعنا في المكان ونحن نشاهد الصراع الدائر بين الظالم والمظلوم, بين من حقدنا عليه ومن تعاطفنا معه, لم يقتربا من بعضهما كما هما قريبين اليوم, لم يجتمعا من قبل في لوحة واحدة كما هما اليوم, نال الخوف من الجميع, عرفت لأول مرّة كيف يكون شعور الخوف, ثم فكّرت بالخوف: هل الظلم هو الذي يخيفنا أم مجسّم الظالم, لم أستطع التمييز, المهم أنني كنت خائفةً. كانت الاضطرابات البريئة لشخص لا حول له ولا قوة تنهش قلبي بمخالب خوف لا ترحم.
بات الصمت لغة حين سكت الكلام, لا أحد يجرؤ على الكلام أو حتى على ذرف الدموع, فالبكاء يعني عدم الموافقة على ما يجري, البكاء يعني مقاومة الظلم, سدّ الظلم مجاري الدمع فجفّت الينابيع ونشفت العيون.
اضطرب النيل كأسد يزمجر, نزفت القلوب بألم مع خفقات إنسانة بريئة, مسكينة.
جاء وقت الغروب وتلونت الشمس بلون الفراق.
الدم لا يزال يسيل من ظهر ألينا, والحرس يمسكها بقسوة من شعرها الذي تلطّخ بالدم. شعرها المتطاير كما الآمال التي تريد التمسّك بالجسد الغض.