You are here

قراءة كتاب ساق الريح

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ساق الريح

ساق الريح

كتاب " ساق الريح "، تأليف ليلى مهيدرة ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

كان في المكان أناس كثرٌ، ولا أحد منهم تنطبق عليه الصفات التي رسمتها حروفه وأكملتها مخيلتي، لكن مع ذلك، لم يكن هاجسي أن أراه أو أتعرف عليه وإن كان ذلك أمراً مستحيلاً تقريباً، فقد كانت هناك أمور أخرى اكتسبت أهميتها من وجودي هنا أرقبها: ابتسامات الصغار، وفرح الكبار، ومزح المراهقين، عالم جديد كنت أفتقده دون أن أحس، إذ لم أدر حتى متى انغمست في حياتي العملية، لدرجة أفقدتني إنسانيتي لفترة، عدت مساء للبيت أتأبط تعباً جميلاً وإحساساً رائعاً، يدعوني للبحث في مكتبتي عن رواية قديمة لنجيب محفوظ، كان لحروفها مذاق سحري علق بذاكرتي ومنحني فسحة جميلة من التخيّل، تصفحتها بحنين زائد لزمن جميل استعدته للتو..

كان بطل الرواية شاباً مكتمل الرجولة، فارساً لأحلام كل فتاة في سني يوم قرأتها لأول مرة، جعلني أسافر رفقة طيفه ممسكة بيديه مخترقة شوارع مدينتي، أشاركه تفاصيل حياته. تيمات الرواية كانت ترسم خيطا رفيعا بينها وبين الرسائل اليتيمة، كنت أحس أنها تكمل بعضها البعض، وأنها اخترقت جدار الزمان والمكان، لتؤسس عالماً وأحداً أنا مركز الكون فيه، والآخر هو بطل الرواية مجسداً لحروف الرسالة.. عالم جميل يسكرني فيه حتى الثمالة، فأغمض عيني وأنا أحلم بتفاصيل أكبر وأصحو على نشاط غريب، لم يعتده العاملون معي، لكن همهماتهم ما كانت لتربكني، إذ ليس ثمة من سر معين أخفيه والتفاصيل التي حدثت معي لا تهم أحداً غيري، ومن الصعب أن يتوقعوا أن سعادتي كلها من رسائل لم تكتب لي، وإنما من رجل لا أعرفه لامرأة أتمنى أن أقابلها يوماً ما فقط، لأبحث عن وجه الشبه بيني وبينها؛ فهذه الرسائل المجهولة المصدر، قد أذابت الجليد بداخلي وأشعلت شموع أمل انطفأت منذ زمن، ولم أكن أحس قط بانطفائها ولا حتى باحتياجي لها إلا يوم طرقت بابي هذه الحروف الوردية.

صرت أغادر عملي بلهفة مثيرة لملاقاة الشارع، تماماً كطفل ينتظر صفارة الخروج، لينطلق من ساعة الدرس نحو فضاء أرحب ولعب منتظر، سوى أن ليس لي من مُنتَظر إلا إحساساً جميلاً بداخلي بحب خفي للحياة...

رصيدي حتى الآن أربع رسائل وباقة انتظار وحلم متقد في تربع مكان تلك المرأة ولو في الحلم، حلم وُلد بداخلي ونماه إحساس جميل امتزج بشوق الانتظار وعتاب التأخير، للحظات كنت أنا هي.. ما دام هناك مقعد فارغ فلمَ لا أستمتع بالجلوس عليه، وأنا الواقفة خارج مدار الحب لسنين، ما الجرم في ذلك وأنا وحدي في خلوتي التي اقتحمتها رسائله عنوة وأرغمتني على اقتفاء خطواتها، هم المذنبون لا أنا، ومن حقي عليهم أن يتحملوا اختراقي لحكايتهم كما فعلوا هم بحياتي.

فمنذ فضي لأول رسالة، وهدفي الوحيد أن أوجههما إلى بعضهما، البعض المرسل والمرسل إليه، لكن الآن انتفى ذلك الإحساس وصار مجرد رغبة جامحة في أن يستمر شلال الرسائل هذا، عله يمنحني القدرة على تصور نفسي مكان تلك الأنثى المرتسمة في خياله والتي كانت كل أوصافها انطباعات.. انطباعات رجل قابلها يوماً ما صدفة، فجعلته عاشقاً لاهثاً وراء طيفها، جريئاً لدرجة أن يرسل إليها رسائل إلى عنوان خاطئ، دون التحري عن مدى صحته أو إن كانت تتوصل هي بكلماته الحارقة.. أي امرأة هذه وكيف هي؟؟.. تساؤلات ما فتئت تشغل بالي، حتى خلتني للحظة مستعدة لتزوير الوقائع ولأكون أنا هي ولو في الحلم، ولمَ لا في الواقع أيضاً، فأنا أحق منها في أن أعيش هذه القصة، لأني أنا من اخترقَتْها كلماته، وأنا من استمتعت ببوحه واعترافاته الأولى.

Pages