You are here

قراءة كتاب رسائل حب بالأبيض والأسود

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رسائل حب بالأبيض والأسود

رسائل حب بالأبيض والأسود

كتاب " رسائل حب بالأبيض والأسود " ، تأليف طلال زينل سعيد ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنش

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 8

نزار قبّاني

كان لقائي الأوّل بنـزار قبّاني سريعاً خاطفاً وخالياً تقريباً من ملامح ما كنت أتمناه وأرجوه وأرسمه في خاطري وخيالي، فهو نجم نجوم ((مهرجان الأمّة الشعريّ)) الذي عُقِد في بغداد ربيع عام 1984 وفارسه المتألق وعنوانه الأوّل، على الرغم من أنّ معظم فرسان الشعرية العربية المعروفين كانوا موجودين فيه (ربّما) باستثناء أدونيس ونازك الملائكة، فمن أين لي أن أحظى بما أريد من وقت كافٍ لأحدّث نـزار قباني عن مشروعي في كتابة كتاب عن التشكيل اللوني في شعره، وكنت لمّا أزل في بداية طريقي النقديّ حيث أبحث عن فرصة نوعية كهذه أعبّر فيها عن نفسي، وأفيد في الوقت نفسه من شهرة نـزار ونجوميته واهتمام القراء بشعره وبما يكتب عنه، ومع ذلك ولأسباب أجهلها كنت على ثقة بأنّ نـزاراً سيستجيب لي على نحو ما، ورحت أتحرّك بحثاً عن هذه الفرصة وأنا على شبه يقين بأنّ ما أحلم به قريب التحقق جداً.

دخل نـزار بهو قاعة الرشيد مثل فارس خرافيّ يرفل بالأناقة والعطر والشموخ والألق والعنفوان حيث سيلقي قصيدته صباحاً، محاطاً بالمعجبين والصحفيين والأصدقاء، (ترافقه طواويس وتتبعه أيائل)، جلس قليلاً فاندفعت نحوه مخترقاً الجموع، وفوراً عرّفته بنفسي وبما أنا مقدم عليه، طمعاً في أن أحظى باهتمام فوريّ منه يتيح لي فرصة أن أكون أكثر قرباً من الآخرين، على النحو الذي يتسنّى لي الحصول على شيء مهم منه بشأن مشروعي في الكتابة عن شعره، وأكون بذلك قد حققت نصراً مهماً أنا بحاجته كثيراً، وهو ما حصل فعلاً حين أعارني اهتماماً كبيراً وسمعني جيداً وأشاد بفكرتي المتميزة لدراسة شعره من هذا الجانب.

هذه النتيجة أفرحتني كثيراً مع أنها كانت صغيرة ومبتسرة ولا تشفي غليلاً طامعاً وحالماً ومشتعلاً بالتطلّع، وذلك لأنّ المحيطين به كلهم يرومون الحصول منه على شيء ما كما تبدّى لي، فضلاً على أنه سيعتلي المنبر بعد قليل ليلقي قصيدته، لكنّه أسرّ لي أن أكتبَ له على عنوان دار نـزار قباني في بيروت كي نتواصل بشأن الموضوع وبتفاصيله وحيثياته، وحيث لم أكن واثقاً كلّ الثقة من أنه سيجيب على رسائلي داهمتني خيبة صغيرة ما لبثتُ أن بددتها بفرحة لقائي به وحواري السريع معه، وعزمت على أن أراسله حين وجدت أنّ الحصول على وقت أكثر مما حصلت عليه في ضوء المعطيات التي ذكرتُ شبهُ مستحيل، فضلاً على أنّ طبيعتي الخجولة بعض الشيء لا تسعفني كثيراً في الحصول دائماً على مكاسب ممكنة على هذا الصعيد، وهكذا اقتنعت بأنّ الوسيلة الوحيدة المتبقية للتواصل مع نـزار قباني هي المراسلة.

فور عودتي إلى منـزلي بعد أن فضّ السامر وانتهى المهرجان انكببت على أوراقي أدبّج رسالة لنـزار قباني، ولا شكّ في أنّ الأمر يدخل عندي في باب المحنة، إذ ماذا يمكن أن أكتب لنـزار قباني سيّد الكلام في الشعر وفي النثر، وكيف سأقنعه بأنني جدير بالكتابة عنه حين لا تحمل رسالتي ما يجعلني أرفع رأسي عالياً أمامه، وأرغمه على احترام رسالتي والاهتمام بها وسرعة الإجابة عليها، كتبت الرسالة الأولى ربما من ورقتين اثنتين فقط، ورحت أعيد قراءة الورقتين بدقّة وأناة وتحسّب وخوف، وحين اطمأننت إلى ما كتبتُهُ حملتُ الرسالة إلى البريد فوراً وأرسلتها إلى دار النشر التي تحمل اسمه في بيروت.

أنا طبعاً أثق بالبريد ثقة مطلقة وعلاقتي به وطيدة جداً، حتى أن علاقتي بساعي البريد في بلدتي الصغيرة ((زمّار)) كانت نوعية، إذ طالما حمل لي هذا الساعي الجميل (رحمه الله وطيّب ثراه) رسائل من كلّ مكان، وهو يعرف كم أنا مولع ومجنون بالمراسلة، وكم تصلني رسائل باستمرار من أنحاء العالم، ولذا كان انتظاري لرسالة نـزار قباني من أجمل الانتظارات في حياتي، عرفت فيها لذّة الانتظار الجميل وسحره بما يكتنفها من غموض ووعود وأحلام، وأنا مليء بالثقة بأنّ رسالته في طريقها إليّ، وفي ظهيرة أحد الأيام الهادئة كنت عائداً من مشوارٍ مع أحد الأصدقاء صيف عام 1984 هتف إليّ ساعي البريد من بعيد، ببذلته الزرقاء الحكومية التي أحبّ منظرها جداً وهي تحمل الرسائل التي أحبّ إليّ، ورفع يده ملوّحاً برسالة عرفت فوراً أنها رسالة نـزار قباني.

كانت فرحتي بلا حدود طبعاً وأنا أتلمّس رسالته على ورق أصفر مذهل بجماله وأناقته، وأمرّر يديّ على غلاف الرسالة الذي يحمل اسمه أيضاً كما ورقة الرسالة نفسها، والطوابع الملصقة عليها القادمة من بيروت، يا إلهي... ها هو الحلم يتحقق، غير أنّ هذه المفاجأة السارّة لم تكن شيئاً قياساً بما كتبه لي نـزار في رسالته الأولى، قرأت ما كتبه عشرات المرّات وأنا أزهو بما استطعت أن ألفت فيه اهتمام نـزار بقوّة، خطّه الجميل كأنّه لوحة بارعة أخّاذة لا يمكنني مغادرة سحرها والابتعاد عن سطوة إيقاعها الباذخ مطلقاً، حين خاطبني أولاً بـ((عزيزي وسفير الجميل))، وحيث بدأ رسالته بـ((قليلة هي الرسائل التي تخضّني وتحرضني وتعطيني مفاتيح الدهشة، ورسالتك استوفت كلّ شروط التحريض فماذا تريد أكثر؟))، رحت أقلّب هذا الكلام الذهبيّ الخلاّب كمن لا يصدّق.... (رسالتي أنا تبهر نـزار قباني سيّد الكلام إلى هذا الحدّ)؟ إنه والله لأمر عظيم جلل، وباشرت على الفور بتدبيج رسالة ثانية أؤكّد فيها قدراتي له وأحتلّ الموقع الذي أتمنى في فضائه.

Pages