كتاب " أجراس الخوف " ، تأليف هشام مشبال ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة الكتا
You are here
قراءة كتاب أجراس الخوف
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
خارج المنزل كانت السماء ممطرة والشوارع حالكة تماما بعدما انفصلت أسلاك الكهرباء بفعل الرياح القوية التي لم تهدأ منذ صباح هذا اليوم. وقد استدعت الأمطار الطرية المتساقطة في وعي نجيب حنينا قديما إلى اللعب في الوحل، والتبلل مع الصبية والرقص معهم تحت ظلال الأوراق الباردة لشجرة التوت الكبيرة التي تغطي حديقة البيت. حاول أن يفتح النافذة الصغيرة ذات الشباك الحديدي متوازي الخطوط ليتأمل مشهد الحديقة وهي تغتسل بعد شهور قائظة، ولكن حلكة الليل، والخوف من نزلة برد أصبح أكثر استعدادا لها بفعل الزمن، حالتا دون ذلك. وقد أيقن كذلك أن زمن الانطلاق والمغامرة ليس هو الزمن الآن، وأن البدن أضحى أكثر قابلية للعلل.
في هذه الليلة الممطرة من بداية فصل الخريف راودته فكرة تصفية الحساب؛ بل ألحت عليه مثلما يلح الطفل على التقاط شيء يبدو في عينيه كنزا. محاسبة من، وكيف، ولماذا الآن بالذات؟ تساءل في سره وهو يتأمل الصفحة الأولى من كتاب "تاريخ بغداد". مضى وقت ومازال يعيد قراءة الأسطر الأولى.. عقله كله في واد آخر مبهم وجارف.
بعد ساعات أسدل عينيه تاركا الكتاب فوق صدره، فامتدت أنامل فاطمة إليه وتناولته في هدوء ثم أطفأت نور الغرفة وهي تقول في نفسها ممتعضة:
- قلت لك يانجيب إن الكتاب والسرير لا يجتمعان فلماذا كل هذا العناد؟
مع آذان الفجر حرك يده اليمنى في كل اتجاه باحثا عن الكتاب فاصطدمت بأنف فاطمة. قالت له وهي تغالب النعاس الشديد:
- ألا يحلو لك هذا إلا مع بزوغ الفجر.. كم أنت غريب؟
بيد أنه أجابها بسخرية فيها لطف:
- أنا أبحث عن الكتاب يافاطمة.. أين ذهب خيالك؟
أجابته وهي تستدير إلى الجهة الأخرى بامتعاض:
- نم يانجيب.. نم.. ربنا يخلصني من هذه الكتب، ومن هذا السرير الذي لا ينفع.