كتاب " أجراس الخوف " ، تأليف هشام مشبال ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة الكتا
You are here
قراءة كتاب أجراس الخوف
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ارتدى نجيب بذلته والتقط حقيبته ثم ركب سيارته متوجها نحو الجامعة. في الطريق الطويلة التي يقطعها كل يوم استدعى شريط الذكريات خياله وتأملاته اللامتناهية. كان ينظر في مرآة السيارة ويتأمل حبات الشيب المنتشرة في شعره ويأمل لو أن منغصات الدنيا تتلاشى في هذا القلب الهش الذي لم يعد يحتمل. فقد أصبح على يقين تام بأن الأمزجة مختلفة والطبائع أيضا مختلفة ولا تقاس حياة الشخص بمعايير إنسانية واحدة. لكن، بالنسبة إليه فإن جوهر حياته يتلخص في العزلة والعلم.. العطاء الجاد والشعور المستمر بالفكر المتجدد الخلاق بعيدا عن صخب المجتمع وثرثرة الناس وضوضاء المقاهي.
أفاق فجأة من شروده على صفير شاحنة تريد أن تتجاوز سيارته البطيئة. انحرف قليلا إلى اليمين وهو يتأمل الجبال الحزينة وقد غطت قمَمَها الغيومُ المنتشرة في أطراف السماء، ومع ذلك كان قرصٌ صغيرٌ من الشمس ما يزال يظهر في الأفق ويصنع ألوانا صافية من قوس قزح الساحر.
دخل نجيب إلى مكتبه ثم ألقى التحية لكن لا أحد يرد.
كانت منى حينئذ واقفة تطل من النافذة على فسحة شاسعة تملؤها برك ماء متناثرة. ظلت تتأمل الراعي العجوز الذي يقود قطيع الغنم خلف أسوار الجامعة كأنها صنم.
كانت حينئذ كعادتها دوما بعيدة وشاردة..
رأت لبنى عاطف أول مرة في الممر الطويل الذي يفصل بين إدارة الكلية وقاعات الدرس. كان يقف وحيدا تحت جدار مملوء بالمجلات الحائطية التي كتبت عليها شعارات مختلفة؛ بعضها يتضامن مع فلسطين ولبنانوالعراق وأفغانستان، وبعضها الآخر ضد الفقر والتهميش والبطالة.. وفي الجانب الأيمن صورة لميت التف حول عنقه ثعبان كبير وتحته نار متوقدة، وقد كتب أعلاها بخط سميك: عقاب تارك الصلاة. كان عاطف يقرأ الشعارات ولكن تفكيره في عالم آخر. وعندما انتبه في لحظة إلى أنه يقرأ شعارات سياسية انزاح جانبا وكأن نحلة لدغته في رقبته. تذكر للتو نصيحة أبيه له بأن يبتعد عن السياسة وألا ينخرط في أي حزب أو جماعة أو حركة. لبنى أيضا كانت تقرأ موضوعات عن العقاب والثواب ولكنها لاحظت كثرة الأخطاء النحوية والتعبيرية، فالتقطت قلما من حقيبتها وصححت بعضها. لكن طالبا طويل القامة منتفخ الملامح صاح في وجهها:
- ما شأنك أنت بهذه المجلة؟
فقالت له بهدوء:
- ومن أعطاك الحق أنت كي تكلمني؟
لكنه انفجر غاضبا:
- مثيلاتك لا يحق لهن الدخول إلى هذه الكلية.. أشكال غريبة تأتينا لا ندري من أين..