رواية " أيامنا المنسية " ، تأليف ياسر ثابت ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من اجواء الرواية
You are here
قراءة كتاب أيامنا المنسية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
جهة الغرب كانت مقصدنا الأول. نحاولُ أن نفضح عورة الليل، ونحن نتأمل العمارة الحديثة الغارقة في الظلام التي لا تفصل بيننا وبينها إلا مساحة روضة أطفال لا ترتفع مبانيها أكثر من طابقين. نحدق في الظلام، ونمسح بأعيننا النوافذ والستائر، والشرفات، بحثـًا عن بصيص ضوء، أو حركةٍ ما تجعلنا نركز عليها.
كانت تلك هي عمارة سكن المضيفات الجويات. في حقيقة الأمر، لم يكن هناك سوى طابقين استأجرتهما شركات طيران عالمية في هذه العمارة لإقامة مضيفاتها الجويات القصيرة عادة، لكن الكل أصبح يُسميها عمارة سكن المضيفات.
النوافذ نعمةٌ، ومدينةٌ من تحية.
ألمح في الطابق الثالث شقة مضاءة بالكامل، تتحرك فيها ثلاث فتيات رشيقات وهن يرتدين ملابس تكشف عن مفاتن تحرك الغرائز. فجأة، رفعت إحداهن قميصها الرياضي الأرجواني اللون؛ فإذا بها لا ترتدي تحته شيئـًا. اللحم، ولا شيء سواه. طريّ وبض وقاهر. يقهر أمثالنا، ممن يشتهون الانتماء إلى فئة الوحوش الكاسرة، حين يتعلق الأمر بالعُري الوفير.
أطيلُ التحديقَ كمُسْتَلَبٍ، فاغر الفم، قبل أن ألكز وائل لأنبهه إلى اللقطة التي إن أفلتت لن تعود. ثدياها المكوران، كرتان من نار، تتدحرجان باتجاهنا. ظلت تتضاحك مع صاحبتيّها، ونحن نتخيل الحوار حيث نقف، قبل أن تقف أمام المرآة وتمشط شعرها، غير مبالية بالنصف العلوي العاري. حورية الجنة، بدت لنا قادمة من بحر البلطيق أو ما شابه. بياضها أصابنا معـًا بالدوار. مرت دقيقتان أو أكثر، وهي تنثر جمالها أينما ذهبت، قبل أن تختفي في غرفة داخلية. عادت وهي في كامل أناقتها، لكنها لم تكف عن محاولة تعديلَ نهديّها المحشورين داخلَ حمالاتِ السهرة، كما لو أنها ممسوسة بجسدٍ آخر.
ليتنا أحضرنا المنظار المكبر الذي اشتراه جارنا كمال، خلال زيارته لعائلة والدته التي تستقر في تركيا.
أقترح عليه بأن نستطلع أمر الجهة الجنوبية.
بإشارةٍ من يدي، يدرك أننا نقترب من حقل الألغام. هذا المربع الخطر يعلو شقة العائلة. إن أحس أبـي بأن هناك من يقف على سطح العمارة في هذا الوقت المتأخر، فلن يتردد في الصعود، خاصة أنه المؤتمن من سكان المبنى على النسخة الوحيدة من مفتاح السطح.
نسير قلقين ومتوجسين، كأنما النبض يبصر ذاته.
في أعطاف الارتباك، يبدو كل شيء ممكنـًا.
نخفض رؤوسنا قليلاً قرب السور، بحكم الخبرة التي تتحدى الظلام الدامس، مدركين وجود سلك حديدي معلق مثل حبل غسيل، كان يُستخدم يومـًا لربط هوائي التلفاز في إحدى الشقق، قبل أن يتحول إلى فخ في العتمة، يصطاد بعض الغافلين عن وجوده.
هناك نافذة مفتوحة لغرفة فتاة في مثل عمرنا، نراقب خيالات تتحرك داخلها. تفتح الفتاة خزانة ملابسها، وتتأمل محتوياتها قليلاً، ثم تتشاور مع أمها الجالسة على حرف السرير بشأن فستان أزرق بلون الغرق، قبل أن تقرر الأم بحدسها إغلاق الستائر. ابتلعتُ ريقي، وتململ وائل في مكانه، فيما بقي خيالنا يرسم تتمة تلك اللحظات المجهولة بآلاف الصور المثيرة.
تحملنا أرجلنا بالاتجاه الآخر، حيث كثير من الأصوات المتداخلة مع نسائم الليل.
كانت المدرسة الفرنسية.