رواية " أيامنا المنسية " ، تأليف ياسر ثابت ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من اجواء الرواية
قراءة كتاب أيامنا المنسية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
19 ديسمبر 2008
أعقد له كلتا كفيّ، وهو يرفع حذاءه الرياضي الأبيض الخفيف، لكي يصبح في مستوى ارتفاع النافذة الوسطى التي تهشم زجاجها ذات مساء بفعل فاعل. يشير لي بأن أرفع وزن جسده الخفيف إلى الأعلى قليلاً، فأفعل، وأنا أراقب بقلقٍ محاولاته للتسلل عبر هذه الكوة ومط جسده النحيف حتى يمسك بالقضبان الحديدية الصدئة من حافة السطح. لم أستبن سوى شبحه في الظلام الدامس، وهو يتجاوز هوة الـمَنْوَرُ، بعد نجاحه في التشبث بالقضبان المتينة، واعتلائه سطح المبنى.. أخيرًا.
اختفى الشبح عن ناظريّ للحظات، فحانت مني التفاتة إلى الباب المعدني المطلي باللون الأحمر الداكن، كأن دماءً ما سالت فوقه. نـزلتُ بنظراتي إلى مستوى القفل الذي يتوسط السلسلة الحديدية المجدولة
التي تليق بعصر العبيد. ها هي تلتف كما لو أنها ثعبان حول القفل الغليظ، الذي يحول بيننا وبين إتمام مغامرتنا بطريقة أكثر أمانـًا مما نفعل الآن.
السكون يطرز المكان، كأنما الليل تاريخٌ خفيّ نحمله على ظهورنا كل صباح. كم أمقت الوقت الراكد!
أصواتٌ من البرد تتكورُ في حنجرتي. الشتاء قارسٌ في جوف ديسمبر. يضربك حتى ينهكك ويصيبك بالإعياء. أضع يديّ الباردتين في جيبيّ، علِّي أستدفئ بغيابهما قليلاً. أتأمل الجدران المطلية بكلس أبيض، ودرجات السلّم الضيق المرتفع ذي الزوايا الحادة، وفتحات الإنارة في مفارق الأدوار. تسللتْ لسعة برد إلى ظهري فأحدثتْ قشعريرة مفاجئة لفّتْ جسمي كله.
عاود الشبح الظهور، واهتزت رأسه قليلاً، فيما ارتفعت يده اليمنى ملوحة في الفراغ.
الإشارات الغامضة التي بيننا لا تعني الآن سوى شيء واحد: حان دوري.
ترددت.
لنقل إني جبنت!
سكنني خوف لا يمكنني زحزحته عني قليلاً. تجمدت في مكاني مثل حبة قمح متشبثة بسبيكة من السنابل.